إيلون ماسك.. «بطل» فارغ آخر برعاية حكومية أمريكية
جوناس أليكسيس جوناس أليكسيس

إيلون ماسك.. «بطل» فارغ آخر برعاية حكومية أمريكية

يهاجم بعض أباطرة المال والأعمال الغربيين أعمال وتحركات الثريّ الآخر إيلون ماسك، وبالأخص استحواذه مؤخراً على تويتر، ما يمنح الفرصة لماسك لإظهار نفسه كأحد «الأبطال» الأثرياء الذين تحاربهم «المؤسسة الحاكمة». لكن في الحقيقة ليس هذا سوى تعمية وعلاقات عامة، فثروة إيلون ماسك وقدرته على مراكمتها اعتمدت بشكل رئيسي على أموال الوكالات الحكومية الأمريكية والإعفاءات الضريبية والقروض بفوائد شبه صفرية.

ترجمة: قاسيون

«ديمقراطية» ستارلينك

تقدّر ثروة ماسك بـ 230 مليار دولار، أي أكثر من ضعف الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا. وقد حصل على قدر كبير من الدعاية الإيجابية في الغرب لتبرعه الخيري بآلاف البوابات من الإنترنت الفضائي «ستارلينك»، والتي تسمح بالاتصال بأكثر من 2400 قمر صناعي صغير في محيط الأرض تمّ إطلاق معظمهم من قبل شركة ماسك «سبيس إكس تكنولوجي».
لكن تبيّن فيما بعد بأنّ أعمال ماسك الخيرية ليست خيرية في الواقع، فقد قامت الوكالات الحكومية الأمريكية بدفع تكاليفها من أموال دافعي الضرائب. كمثال قامت وكالة «USAID» الحكومية المعروفة بتمويلها غير الشفاف بشراء 1330 بوابة على الأقل من شركة سبيس إكس.
لكن لماذا تدفع الحكومة الأمريكية مقابل إنترنت ستارلينك، وهو رغم التهويل الإعلامي لا يشكّل حلاً ذي قيمة للأوكرانيين. قدّر وزير الاتصال الرقمي الأوكراني بأنّ خدمات ستارلينك تؤمّن بأفضل حال اتصال 150 ألف شخص بالإنترنت. إذاً من الذي سيستفيد من هذا العدد القليل من البوابات وعلى أيّ أساس يحصل الأفراد عليها. لا يجب أن نتفاجأ إن قلنا بأنّ الأكثر أهمية، أن الجواسيس والنشطاء العسكريين هم الذين يحصلون عليها، فستارلينك تخدم في الواقع هدفاً عسكرياً بحتاً. ففي غضون أسابيع من إطلاقها باتت حجر زاوية في المجهود العسكري الأوكراني وخاصة في استخدام الأسلحة عالية التقنية التي تحتاج إلى خدمات إنترنت ليتم استخدامها، مثل الدرونز.
ربّما تصريح مدير الحرب الإلكترونية في البنتاغون كافٍ لإفهامنا بأنّ ستارلينك ليس «عملاً خيرياً ديمقراطياً» بل جزءاً من الآلة العسكرية الأمريكية، حيث صرّح: «التمكّن من إبقاء القوات الأوكرانية متصلة بالإنترنت يدفعني لذرف الدموع... على الجيش الأمريكي في المستقبل أن يمتلك القدرة للعمل بمثل هذه السرعة».

رجل الصواريخ

لا بدّ أنّ مثل هذا النوع من الإطراء يجذب انتباه مدراء سبيس إكس الذين استفادوا منذ فترة طويلة من علاقتهم المربحة مع الجيش الأمريكي. تعتمد مشاريع شركة سبيس إكس بشكل مفرط على العقود الحكومية، فلا يكاد يكون هناك أيّ طلب مدني على أهمّ منتجاتهم، لا سيما الصواريخ.
حصل ماسك على عقود بمليارات الدولارات كي تطلق سبيس إكس أقمار تجسس صناعية ودرونز حربية وغيرها من الأدوات العسكرية. مثال، اختيرت سبيس إكس في 2018 لإطلاق نظام تعقّب ملاحي «GPS» بقيمة 500 مليون دولار في الفضاء. وفي حين أنّ الآلة الإعلامية حاولت أن تسوّق للأمر بأنّه سيزيد من دقّة الاستخدام المدني لنظام الملاحة، فليس هناك من يشك في أنّ هذا النظام وما يشبهه هم جزء من حلقة التجسس والاستطلاع الحربي الجاري. كما حصلت سبيس إكس على عقود لإيصال الكثير من الأقمار الصناعية التي تستخدمها وكالات الأمن والمخابرات الأمريكية في عملياتها مثل العقد مع «مكتب الاستطلاع الوطني» أو الأقمار الصناعية للقوى الجوية الأمريكية ومثل العقد مع «وكالة تطوير الفضاء».
في عالم اليوم الذي تزداد فيه أهميّة جمع البيانات الاستخبارية والاستطلاع، لا يمكن ألّا نلحظ مدى أهمية سبيس إكس للآلة العسكرية الأمريكية، والتي تجعلها بأهمية شركات مثل بوينغ ولوكهيد مارتين.

المخابرات ترعى رجالها

بدءاً من انطلاقها في 2002، لطالما كانت سبيس إكس شديدة الارتباط بمؤسسات الأمن القومي الأمريكية، وخاصة المخابرات المركزية. ربّما الصلة الأكثر شهرة هو مايك غريفين، والذي كان في وقتها مديراً للعمليات في شركة المشاريع «In-Q-Tel» الممولة من المخابرات المركزية، والتي يتركز عملها في رعاية وتمويل الشركات التي تقدم خدمات أمنية وتكنولوجية للمخابرات المركزية.
كان غريفن مع ماسك منذ اليوم الأول للعمل، حيث صحبه إلى روسيا في شباط 2002 عندما حاول شراء صواريخ باليستية عابرة للقارات بأسعار زهيدة. كان ماسك يرغب حينها في شراء مواد مستعملة ومكونات جاهزة للإطلاق من أجل التفوق على المنافسين، ورغم فشل المحاولة فقد أطلقت شراكة كبيرة بين غريفين رجل المخابرات المركزية وماسك الذي تمّ تعليق الأمل عليه بأنّه سيكون «رائد صناعة الصواريخ» الأكثر تميزاً. بعد ثلاثة أعوام استلم غريفن رئاسة وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، وفيما بعد منصباً قيادياً في البنتاغون.
في 2006 حصل ماسك على عقد مع ناسا بقيمة 396 مليون دولار لتطوير الصواريخ، وقد علّق غريفين نفسه على أن العقد كان بمثابة المقامرة. كتبت ناشيونال جيوغرافيك نفسها قائلة: «لم تكن سبيس إكس لتصبح ما أصبحت عليه لولا هذا النوع من العقود».
ثمّ في 2008 وقع ماسك في ورطة حين لم تعد سبيس إكس قادرة على دفع رواتب من يعمل لديها، ليتمّ إنقاذها من جديد بعقد غير متوقع بقيمة 1,6 مليار دولار مع ناسا من أجل «خدمات الشحن التجاري».

داعم الانقلابات

يملك ماسك شركة سيارات تيسلا الكهربائية الشهيرة منذ 2004، والتي تعتمد على البطاريات كي تستمر وتتطور. وقد جذب ماسك الانتباه بالفعل عندما اعترف بأنّه عمل مع الحكومة الأمريكية من أجل خلع الرئيس البوليفي إيفو موراليس في 2019.
يمكن فهم دوافع ماسك بأنّ بوليفيا هي موطن لاحتياطات الليثيوم سهلة الاستخراج، وهو العنصر الحاسم في إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية. كان موراليس قد رفض فتح البلاد للشركات الأجنبية النهمة لاستغلال بوليفيا من أجل الأرباح، واقترح بدلاً من ذلك تطوير تكنولوجيا سيادية للإبقاء على الأعمال والأرباح داخل بلاده. نتيجة لذلك تمّ خلعه عبر انقلاب يميني مدعوم من الولايات المتحدة. لم يستغرق الأمر طويلاً حتى تقوم الحكومة التي استلمت مكانه بدعوة ماسك للتحادث بشأن الأمر.
كان ماسك وقحاً عندما ردّ على سؤال فيما إن كان له علاقة بالإطاحة بموراليس حيث قال: «سنقوم بالانقلابات متى أردنا! تعاملوا مع ذلك». لدى ماسك تاريخ طويل من التصريحات الجدلية ولهذا لن يستغرب المتابعون هكذا رد، ولكن سيسعدنا أن نعلم أنّ أحلام ماسك باستخراج الأرباح من بوليفيا قد تبخرت بعد أن ضغط الشعب البوليفي لإجراء انتخابات مبكرة بعد عام من الانقلاب، عاد على إثرها حزب موراليس للحكم ملغياً أيّ محادثات مع ماسك.
إنّ ماسك– مثله في ذلك مثل جميع أثرياء الغرب– ليس إلّا صاحب ثروات ممولة من الاستغلال ومن دافعي الضرائب. إذا ما تركنا العقود العسكرية والمخابراتية والحكومية الأخرى جانباً، فقدرة ماسك على بيع حقوق «تخفيض الانبعاثات» عبر شركة تيسلا بمبالغ قدّرت بـ 2,5 مليار دولار، وذلك فقط لأنّها حصلت عند إنشائها على قروض ميسرة بقيمة 465 مليون دولار بفوائد شبه صفرية، أو حصوله على 750 مليون دولار من ولاية نيويورك، أو التسهيلات الضريبية بقيمة 1,3 مليار دولار التي جعلت ماسك يدفع ضرائب أقلّ من 70 ألف دولار، تجعلنا ندرك مدى سخافة النظام القائم، وكيف أنّ «أبطالاً» فارغين مثل ماسك يملؤون الصفحات الإعلامية.

بتصرّف عن:
Elon Musk is a massive Pentagon contractor

معلومات إضافية

العدد رقم:
1100