الإمبريالية والحرب الباردة الجديدة.. وفقاً للينين!
غاري ويلسون غاري ويلسون

الإمبريالية والحرب الباردة الجديدة.. وفقاً للينين!

في مقدمة طبعة 1917 من كتاب «الإمبريالية، أعلى مراحل الرأسمالية» قال فلاديمير لينين: «أنا على ثقة بانّ هذا الكتيّب سيساعد القارئ على فهم المسألة الاقتصادية الأساسية، وأعني مسألة الجوهر الاقتصادي للإمبريالية، لأنّه ما لم تتمّ دراسة هذه المسألة سيكون من المستحيل فهم وتقييم الحرب والسياسة الحديثين». لخّص لينين في مقدمة طبعة 1920 ما يلي، «لقد نمت الرأسمالية لتصبح نظاماً عالمياً للقمع الاستعماري والخنق المالي للأغلبية الساحقة من سكان العالم على يد قلّة من البلدان [المتقدمة]. يتمّ تشارك هذه [الغنيمة] من قبل اثنين أو ثلاثة من ناهبي العالم الأقوياء المسلحين حتّى أسنانهم [أمريكا، وبريطانيا العظمى، واليابان]، والذين يجرّون العالم بأسره إلى حربهم من أجل تقسيم غنيمتهم».

ترجمة: أوديت الحسين

اليوم، الاختلاف الأكبر أنّه بات هناك قوّة إمبريالية واحدة مهيمنة، الولايات المتحدة. بوصفها «القوّة العظمى» الأكبر بعد الحرب العالمية الثانية، فرضت الولايات المتحدة الدولار كعملة احتياطي عالمي عندما تمّ إنشاء نظام بريتون وودز. كانت بريطانيا العظمى قوّة إمبريالية كبرى عندما كانت في أوج قوتها، ومع ذلك لم تحقق أبداً نفس الهيمنة على الاقتصاد العالمي التي حققتها الولايات المتحدة اليوم، ولم يكن الباوند البريطاني أبداً العملة الاحتياطية العالمية.
حقيقة أنّ الدولار هو العملة الاحتياطية العالمية يعني أنّه يُستخدم لتسعير جميع السلع الأساسية، مثال النفط، حيث يمنح هذا الولايات المتحدة دوراً مهيمناً على سوق النفط العالمي. إضافة إلى ذلك، الجزء الأكبر من ديون العالم مقومة أيضاً بالدولار، وهذا يعني أنّ الدول يجب عليها دفع ديونها بالدولار. إنّ دولرة الاقتصاد الرأسمالي العالمي تعني سيطرة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي. يتحكم نظام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في المعروض من الدولار الأمريكي. في الواقع، نظام الاحتياطي الفدرالي الأمريكي هو البنك المركزي للعالم، وفي الواقع أيضاً أنّ معظم العملات الأمريكية – الأوراق الخضراء للدولار – يتمّ تداولها خارج الولايات المتحدة.
البنك الدولي وصندوق النقد الدولي هما مؤسستان مرتبطتان بشكل وثيق بنظام الدولار. يقدّم صندوق النقد الدولي قروضاً قصيرة الأجل للبلدان التي تواجه أزمات حادة في السيولة، بينما يقدم البنك الدولي قروضاً طويلة الأجل من أجل مشاريع البنية التحتية الكبرى. في الجهة المقابلة هناك بنك التنمية الجديد «NDB» وترتيب احتياطي الطوارئ «CRA» التابعين لمنظمة بريكس، والذي يتمّ العمل عليه ليكون بديلاً عن مؤسسات الدولار. يقدّم بنك التنمية الجديد المساعدة المالية والفنية لمشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة في دول بريكس وغيرها من الاقتصادات الناشئة والنامية. كما يهدف ترتيب احتياطي الطوارئ إلى أن يكون شبكة أمان مالية يمكن لدول بريكس استخدامها للتعامل مع أزمات ميزان المدفوعات.
تهدف هذه البرامج البديلة إلى تقليل اعتماد البلدان الأعضاء على صندوق النقد الدولي وغيره من المصادر الخارجية للحصول على المساعدة المالية خلال أوقات الضغوط الاقتصادية. لم تتمكن دول بريكس بعد من تقديم بديل عن الدولار الأمريكي قابل للتطبيق كعملة عالمية. تعمل دول بريكس على تقليل اعتمادها على الدولار الأمريكي من خلال زيادة استخدامها لعملات بعضها البعض في التجارة. كما أنّ هناك مقترحات لتسعير السلع الأساسية مثل النفط بسلة من العملات، بما في ذلك اليوان الصيني، لكنّ الدولار لا يزال حتّى اليوم هو المستخدم في التسعير بشكل أساسي.

أوجه الإمبريالية الأخرى

لدى الإمبريالية الأمريكية ذراع عسكري لا يقلّ أهميّة عن نظام الدولار. في 2022 بلغت الميزانية العسكرية الأمريكية 877 مليار دولار، أي ما يفوق الميزانيات العسكرية مجتمعة للصين وروسيا والهند والسعودية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وكوريا الجنوبية واليابان وأوكرانيا. لا يشمل هذا الرقم الميزانية العسكرية لوكالة المخابرات المركزية ولا ميزانية الأسلحة النووية التابعة لوكالة الطاقة ولا عدداً لا يحصى من الوكالات والعمليات العسكرية الخفية والسرية الأمريكية.
إضافة إلى ذلك يعمل الناتو كذراع عسكري للإمبريالية الأمريكية. التكاليف الباهظة المترتبة على عضوية الناتو ترتب على البلدان الداخلة فيه تمويل التوسع العسكري الأمريكي. من المتوقع أن ينفق أعضاء الناتو ما لا يقل عن 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي على الإنفاق «الدفاعي». بالنسبة لأغلب البلدان يتطلب تحقيق هذه العتبة زيادة كبيرة في الميزانيات العسكرية بتكاليف مالية كبيرة. كما يجب أن تكون أسلحة الناتو متوافقة مع أنظمة الأسلحة الأمريكية، ما يعني أنّ أعضاء الناتو يشترون في الغالب أسلحة أمريكية الصنع. آخر الحروب الإمبريالية هي الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة والناتو اليوم بالوكالة في أوكرانيا ضدّ روسيا.
كان النمو الاستعماري في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والعقود الأولى من القرن العشرين أمراً محورياً في تحليل لينين للإمبريالية. استحوذت القوى الإمبريالية على المستعمرات لتأمين مصادر المواد الخام، وأسواق السلع المصنّعة، وفرص الاستثمار. كما استخدمت القوى الإمبريالية سيطرتها على المستعمرات لاستغلال عمل الشعوب المستعمرة. كان تحليل لينين أساسياً في تطوّر الحركات المناهضة للاستعمار في جميع أنحاء العالم. وأوضح أسباب الاستعمار وضرورة التحرر من الإمبريالية الرأسمالية.
أحد الاختلافات بين الإمبريالية في 1914 واليوم هو التحول من الاستعمار إلى الاستعمار الجديد. في كتابه الصادر في 1965 بعنوان: «الاستعمار الجديد: المرحلة الأخيرة من الإمبريالية». عرّف الرئيس الغاني كوامي نكروما الاستعمار الجديد بأنّه النفوذ الاقتصادي والثقافي المستمر للقوى الإمبريالية القديمة والدول الغربية الأخرى على مستعمراتها السابقة بعد نهاية السيطرة السياسية العلنية والاستعمار الرسمي. لم تعد السلطة تُمارس بشكل مباشر من خلال السياسات الاقتصادية والثقافية التي تفيد مصالح الشركات والدول الغربية.
كانت الحرب الباردة حرباً طبقيّة بين نظامين اجتماعيين لا يتوافقان، الرأسمالية الإمبريالية ضدّ الاشتراكية. غالباً ما يطلق على الصراع بين الولايات المتحدة والصين اسم الحرب الباردة الجديدة. سعت الولايات المتحدة إلى الإطاحة بالاشتراكية في الصين، وتكثفت هذه الجهود بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، إذ اعتبرت الولايات المتحدة الصين آخر دولة اشتراكية كبرى في العالم. يتم تعريف الصين على أنّها اشتراكية، لكنّها لا تزال في طور تطوير أنظمتها الاشتراكية. لقد وضعت الثورات أسس الاشتراكية، لكنّها واجهت العديد من العقبات، بما في ذلك الحصار الإمبريالي والحرب والتخريب.
الحرب الباردة الجديدة ضدّ الصين هي حرب طبقية، وهي رد الفعل الإمبريالي الأمريكي على التقدم التكنولوجي الكبير الذي حققته الصين. إنّ التقدم الذي حققته الصين لديه القدرة على تعزيز أسسها الاشتراكية. تتصدّر الصين 37 من أصل 44 تقنية تمّ تتبعها في مشروع مدته عام من قبل مركز أبحاث «معهد السياسة الخارجية»، وتشمل المجالات البطاريات الكهربائية والأنظمة التي تفوق سرعة الصوت واتصالات الترددات الراديوية المتقدمة مثل الجيل الخامس. انتشلت الصين الاشتراكية مئات الملايين من الناس من الفقر، وانخفض عدد الذين يعيشون في فقر مدقع في الصين من 770 مليون في 1990 إلى 5.5 مليون في 2015، أي انخفاضاً بنسبة 94٪. وفقاً للأمم المتحدة فالصين مسؤولة عن أكثر من 70٪ من تراجع الفقر العالمي منذ 1990، وهو إنجاز رائع لم يسبق له مثيل في تاريخ العالم.
قال ماركس بأنّ المجتمع يتقدم بتطور قوى الإنتاج من خلال التكنولوجيا، «تمنحك الطاحونة مجتمعاً مع الإقطاعي، والطاحونة البخارية مع الرأسمالي الصناعي». اليوم وضعت الثورة في التكنولوجيا المتقدمة الأساس للعمّال والمقموعين لينقلبوا على الحكم الإمبريالي وينظموا نظام الاشتراكية العالمية.

بتصرّف عن:
Imperialism and the new Cold War

معلومات إضافية

العدد رقم:
1139