مجموعة العشرين والإصلاح العالمي المنشود
ام.كي. بدراكومار ام.كي. بدراكومار

مجموعة العشرين والإصلاح العالمي المنشود

من منظور تنبؤي بالمستقبل، فالعوامل الجيوسياسية التي كانت مؤثرة في قمة دلهي لمجموعة العشرين سوف تبقى تشكّل المحددات الحاسمة لمستقبل مجموعة العشرين كصيغة لصياغة اتجاهات جديدة في الإستراتيجيات الاقتصادية العالمية. في عالم ممزّق، لا يزال هناك الكثير من الأشياء التي لا يمكن قياسها بشكل فوري. من المؤكّد أنّ الدبلوماسية الهندية كانت في حالة تأهّب قصوى، ولهذا فمن الطبيعي أن تقوم بالتهليل للقمّة في بلادها، ولكن التفاوض على بيان مجموعة العشرين الختامي ليس بالإنجاز الهيّن في هذه البيئة العالمية شديدة الاستقطاب.

ترجمة: قاسيون

يمكن من وجهة نظر جيو إستراتيجية أن يعزى ما حدث إلى حدّ كبير إلى حقيقة أنّ قمة العشرين انعقدت عند نقطة انعطاف في الحرب الأوكرانية، وهو الحدث الذي يشبه قمّة جبل الجليد، وهو مظهر من مظاهر التوترات المتصاعدة بين القوى الغربية من جهة، وروسيا ومن معها من جهة أخرى، والتي بدأت في الحقيقة منذ بداية حقبة ما بعد الحرب الباردة.
جوهر الأمر أنّ الحرب الباردة انتهت من خلال المفاوضات، لكنّ العصر الجديد لم يكن راسخاً في أيّ معاهدة سلام. لقد خلق الفراغ انجرافاً وشذوذات، ولأنّ الأمن غير قابل للتجزئة بدأت التوترات في الظهور مع قيام حلف الناتو بالتوسّع شرقاً إلى أراضي حلف وارسو السابق منذ بداية التسعينيات. بقدر كبير من التبصّر حذّر جورج كينان، مصمم إستراتيجيات الحرب الباردة، من أنّ الإدارة الأمريكية في حينه، والتي استغلّت «لحظة القطب الواحد» كانت ترتكب خطأ فادحاً، فروسيا ستشعر بالتهديد من توسّع حلف الناتو، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي حتماً إلى تعقيد موقف الغرب والعلاقات مع روسيا لفترة طويلة جداً.
وكما كان متوقعاً، في أعقاب تغيير النظام في أوكرانيا بدعم من الغرب في عام 2014، تمّ تنصيب نظام مناهض لروسيا في كييف وشرع حلف الناتو في تعزيز عسكري في ذلك البلد، إلى جانب خطّة منسقة لإدخاله في نظام التحالف الغربي. يكفي أن نقول إنّ «الإجماع» الذي تمّ التوصل إليه في قمة مجموعة العشرين الأخيرة بشأن الحرب في أوكرانيا كان في الواقع لحظة عابرة في الصراع الجيوسياسي بين الولايات المتحدة وروسيا، كما هو متأصّل في الأزمة الوجودية التي تواجهها روسيا.
لا يوجد أيّ دليل على أنّ الولايات المتحدة مستعدّة للتنازل عن شرعيّة المصالح الدفاعية والأمنية الروسية أو التخلي عن مفاهيمها الخاصة بكونها استثنائية وبشأن هيمنتها العالمية. إذا حدث أيّ شيء، فإنّ هناك فترة مضطربة للغاية تنتظرنا. لذا لا ينبغي لنا أن نبالغ في تقدير «الأخبار السعيدة» التي خرجت بها قمّة دلهي، وذلك بغضّ النظر عن مدى استمتاعنا بهذه اللحظة. كان تراجع واشنطن في القمّة فيما يتعلّق بأوكرانيا بمثابة استجابة إبداعية لجهود الوساطة التي بذلتها دول البريكس الثلاث، جنوب إفريقيا والهند والبرازيل. كما كان أيضاً مدفوعاً بمنطلق مصلحتها الذاتية – إن لم يكن أكثر – لتجنّب العزلة عن الجنوب العالمي.
من الواضح أنّه في الوقت الذي تمدح فيه روسيا الهند ومودي بكثرة، فالعكس هو السائد في المعسكر الغربي، حيث لم تسر التسوية بشأن أوكرانيا بشكل جيّد على الإطلاق. كتبت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية بأنّ إعلان دلهي قد أشار فقط إلى «الحرب في أوكرانيا»، وهي صيغة رفَضها في السابق مؤيدو كييف مثل الولايات المتحدة وحلفاء الناتو، لأنّها تشير ضمناً إلى أنّ كلا الجانبين منخرطون بالحرب بالقدر ذاته، وكذلك الدعوة إلى «سلام عادل ودائم في أوكرانيا»، فلم يتمّ الربط هذا الطلب صراحة بأهميّة «سلامة أراضي أوكرانيا».

التحدي المتصاعد في الغرب

في الواقع تتصاعد المشاعر العدوانية في الغرب، ولا شكّ أنّه مع دخول الحرب الأوكرانية المرحلة الوحشية التالية، سوف تغلي المشاعر حول احتمال انتصار روسيا. ومرّة أخرى ليس هناك من شك في أنّ الغرب يشعر بالتحدي بسبب الطفرة الهائلة التي حققتها مجموعة البريكس – والأهم من ذلك أنّ الجاذبية المغرية التي تتمتع بها المجموعة بين البلدان النامية أو ما يسمّى «الجنوب العالمي»، تثير أعصاب الغرب. ولا يمكن للغرب أن يأمل أبداً في الدخول إلى خيمة مجموعة بريكس أيضاً. في الوقت ذاته تتحرّك مجموعة بريكس بتصميم في اتجاه استبدال النظام التجاري الدولي الذي وفّر الأساس للهيمنة الغربية. إنّ استخدام الولايات المتحدة للعقوبات كسلاح، والاستيلاء على الاحتياطات الروسية بشكل تعسفي، كان سبباً في خلق حالة من الشكوك في أذهان العديد من الدول.
لقد نسيت الولايات المتحدة في الحقيقة وعدها الرسمي عندما حلّ الدولار محلّ الذهب كاحتياطي في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، بأنّ عملتها ستكون متاحة بحريّة لجميع البلدان. اليوم قلبت الولايات المتحدة هذا الوعد رأساً على عقب واستغلّت أولوية الدولار لطباعة العملة بقدر ما تريد، والعيش بما يجاوز إمكاناتها. الاتجاه المتصاعد اليوم هو نحو التداول بالعملات المحلية وتجاوز الدولار. من المتوقّع أن تعمل مجموعة بريكس على تسريع هذه التحولات، وذلك عاجلاً أم آجلاً. لهذا من المتصوّر أن تكون هناك مؤامرات غربية لخلق التنافر داخل مجموعة بريكس، ومن المؤكّد أنّ واشنطن ستستمر في اللعب على قلق الهند بشأن الوجود الصيني البارز في الجنوب العالمي.
إنّ التطورات الحالية في إفريقيا، ذات النبرة المناهضة للاستعمار والغرب بشكل واضح، تهدد بشكل مباشرة بعرقلة استمرار نقل الثروة من تلك القارة الغنية بالموارد إلى الغرب. مع أخذ كلّ هذه العوامل الجيوسياسية في الاعتبار، فإنّ مستقبل مجموعة العشرين يكمن في قدرتها على الإصلاح الداخلي. تأسست المجموعة خلال الأزمة المالية في 2007 عندما كانت العولمة لا تزال رائجة، وهي اليوم بالكاد قادرة على البقاء في بيئة عالمية مختلفة إلى حدّ كبير. أضف إلى ذلك أنّ «تسييس» مجموعة العشرين من قبل القوى الغربية يقوّض سبب وجود هذه المجموعة.
يمرّ النظام العالمي نفسه بمرحلة انتقالية، ويتعيّن على مجموعة العشرين أن تتحرّك مع الزمن لتجنّب التقادم. بادئ ذي بدء، يعجّ تنسيق مجموعة العشرين بالدول الغنية، وأغلبها من الدول التي ليس لديها الكثير لتساهم به في هذه اللحظة التي فقدت فيها مجموعة السبع القدرة على اتخاذ القرار. تجاوزت مجموعة بريكس مجموعة السبع سواء من ناحية الناتج المحلي الإجمالي أو عدد السكان. يتطلب الأمر تمثيلاً أعظم لدول الجنوب العالمي من خلال استبدال أدعياء العالم الصناعي بأصحاب كلمة حقيقيين.
في جميع الأحوال يكمن الخطر فيما يخصّ الجانب الهندي أنّه ومع سفر زعماء مجموعة العشرين من الأراضي الهندية، قد تعود دلهي إلى سياساتها الخارجية التي تركّز على الصين. إنّ التزام الهند بقضيّة الجنوب العالمي لا ينبغي أن يكون عرضياً. قد تنجح الهند بمثل هذه العقلية في السياسة لبعض الوقت، لكنّ الجنوب العالمي سوف يرى ويشهد على ذلك، ويستنتج بأنّ الهند تساعد نفسها فقط في جنونها لاقتطاع مكان لنفسها على الطاولة العليا للسياسة العالمية. الطريق الوحيد الذي يمكن لجميع دول مجموعة العشرين أن يسيروا به، ومن بينهم الهند، من أجل الحصول على مكانة حقيقة في تقرير السياسة العالمية هي أن تطرح السؤال الصحيح، ليس السؤال ماذا يمكن للجنوب العالمي فعله من أجلها، بل ما الذي يمكنها فعله من أجل الجنوب العالمي.

بتصرّف عن:
G20 is in need of genuine reform

معلومات إضافية

العدد رقم:
1140