الطبقة الحاكمة البريطانية تشعر بالهلع
جون ريس وكريغ موراي جون ريس وكريغ موراي

الطبقة الحاكمة البريطانية تشعر بالهلع

جاءت المظاهر المؤيدة لفلسطين في لندن الأسبوع الماضي بعد أسبوع واحد فقط من ظهور رئيس الوزراء البريطاني لشنّ هجوم غير مسبوق على الحركة المتضامنة مع فلسطين، وقبل الإعلان المتوقع من الوزير غوف عن لوائح جديدة لقمع «التطرف». أي، بعد خمسة أشهر من الهجوم «الإسرائيلي» على غزة، أين يكمن ميزان القوى بين حركة التضامن مع فلسطين والمؤسسة السياسية البريطانية؟

ترجمة: قاسيون

لنبدأ بحركة التضامن مع فلسطين لأنها لا تحظى بالتغطية الإعلامية الكافية، وعندما يحدث ذلك، فغالباً ما يتم تحريفها في وسائل الإعلام الرئيسية. أوّل ما يمكن قوله عن الحركة هو أنّها غير مسبوقة من حيث الحجم والكثافة، باستثناء المظاهرة المناهضة لحرب العراق في 2003 والتي شارك فيها مليونا شخص. يثبت الزخم المستمر لهذه المظاهرات منذ العام الماضي أنّ الحركة لم تفقد قدرتها على التعبئة بعد أشهر من العمل المستمر.
يعكس هذا الحجم من التعبئة الدعم الأوسع عبر المجتمع. ويظهر أحدث استطلاع للرأي أجرته مؤسسة يوجوف أن اثنين من كل ثلاثة أشخاص يؤيدون هدف المتظاهرين المتمثّل في وقف فوري لإطلاق النار في غزة. وقد ارتفع هذا الرقم بنسبة 7٪ بعد المظاهرات. أدى هذا الدعم الجماهيري لحركة التضامن مع فلسطين، على مدى الأشهر التي تلت تشرين الأول، إلى تَشقُّقِ الإجماع السياسي المؤسسي. في الاحتجاج الأول، حضر المظاهرة نائب واحد فقط، وهو جيريمي كوربين، مما سلط الضوء على الفجوة شبه الكاملة بين رد الفعل الجماهيري ضد تصرفات «إسرائيل» وتأييد السياسيين البريطانيين من العمال والمحافظين.
تلا ذلك تعديل وزاري، وهو الأول في التاريخ الحديث الذي يكون نتيجة مباشرة للمواجهة بين الوزراء والحركة الجماهيرية. ومنذ تلك اللحظة فصاعداً، انفتحت الشقوق في المؤسسة السياسية. خسر حزب العمال أكثر من 100 عضو في المجالس المحلية، وتسببت الهزيمة التي لحقت به في الانتخابات الفرعية في روتشديل في سحب مرشحه، ممّا مهد الطريق أمام جورج غالاوي للفوز بأغلبية ساحقة بسبب موقفه الداعم لفلسطين.
بطبيعة الحال، كلّ هذا يحدث في بيئة دولية حيث أصبحت «إسرائيل» معزولة سياسياً، وتواجه التحقيق من قبل محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية، ولم تتمتع بالحماية في العديد من عمليات التصويت الحاسمة في الأمم المتحدة إلا من خلال حق النقض الأمريكي وامتناع المملكة المتحدة عن التصويت.
كلّ هذا أوصل الحكومة إلى الأسبوع الذي اعتقدت فيه أنها بحاجة إلى القتال. بدأ ذلك الأسبوع عندما طلب وزير الداخلية جيمس كليفرلي من المتظاهرين الكف عن ذلك، وأن الملاذ الوحيد المناسب هو صندوق الاقتراع. وقد تم تدمير هذه الرواية في غضون أيام قليلة عندما انتصرت القضية الفلسطينية في صناديق الاقتراع في روتشديل. أول ما يمكن قوله عن هذه الظروف هو أن الحكومة الضعيفة بالفعل، بقيادة رئيس وزرائها الثاني الذي وصل إلى منصبه من دون سلطة الفوز في الانتخابات العامة، أصبحت في موقف دفاعي.
ترغب الحكومة بشدة في حظر المظاهرات بشكل كامل، لكنها ببساطة لا تملك الدعم السياسي للقيام بذلك. لهذا أصبحت القيود التي فرضتها الشرطة على طرق الاحتجاجات، وأوامر التفريق، واعتقال أولئك الذين يحملون لافتات تعتبر مسيئة، وتفتيش منازل النشطاء في منتصف الليل واعتقالهم بعد الاحتجاجات أمراً شائعاً الآن.
من شأن ذلك أن يزيد من عزلة الطبقة السياسية عن مشاعر جماهير المواطنين. علاوة على ذلك، فإنّ الدفاع الضيق وغير الديمقراطي عن المؤسسة من شأنه أن يُضعف الثقة في الهياكل الديمقراطية الرسمية للمجتمع ويعزز وجهة النظر القائلة بأنّ الناس عادة لا يتم الاستماع إليهم إلّا عندما يأخذون زمام الأمور بأيديهم. بعبارة أخرى، فإن التأثير سيكون على عكس الأهداف المعلنة لهذه السياسة تماماً.

هلع الطبقة الحاكمة

رغم أنّ جورج غالاوي كان على الجانب الصحيح ضدّ الحروب المروعة التي قادتها الطبقة السياسية البريطانية، لكنّ فوزه ليس هو المشكلة التي تثير حنق السلطات وهلع الطبقة الحاكمة. في النهاية لدى غالاوي شكلٌ «مهذّب» للغاية من اليسار، ولا يمكن أن يشكّل بذاته خطراً على المؤسسة.
لهذا السبب فإنّ حالة الذعر أثناء انتخابه في روتشديل وادعاء رئيس الوزراء أن هذا كان اعتداءً على «القيم البريطانية» وحتى على الديمقراطية نفسها، أمرٌ سوريالي. لو كان لدينا أي نوع من وسائل الإعلام المستقلة، لكان من الممكن أن يتعرّض للسخرية حتى الموت. هذا بالطبع لم يحدث. لقد قيل لنا بصوت عالٍ إننا أمّة في أزمة. إنّ الأشكال العادية للنشاط الديمقراطي - حرية التجمع، وحرية التعبير، وحرية التصويت - كلها تهدّد مجتمعنا.
إنّ سبب كل هذا الذعر السياسي هو بالطبع الإبادة الجماعية في غزة. ومن الضروري سرد النقاط الرئيسيّة هنا. نحن نعيش في وضع تتّسع فيه فجوة الثروة في المجتمع بين الأغنياء والفقراء بأسرع معدل لها على الإطلاق. حيث لأول مرة منذ قرون، يمكن للشباب أن يتوقعوا أن حياتهم ستكون أقل من حياة أهلهم فيما يتعلق بالتوظيف والتعليم والصحة والسكن. إنّنا حيث أصبحت العلاقة بين سيطرة الأثرياء من الطبقتين السياسية والإعلامية أكثر إحكاماً من أي وقت مضى.
باختصار، ينبع الخوف هنا من أنّ الشعب قادر على تحقيق الانتصار الديمقراطي، وذلك بعد أن اعتقدت الطبقة السياسية بأنّها وأدت الانتفاضة الشعبية التي أدت إلى وصول جيريمي كوربين زعيماً لحزب العمال. تمّ تدمير فرص كوربين بسبب السرد الكاذب لمعاداة السامية. فمنذ وقوع المحرقة، أصبحت معاداة السامية، على نحو مفهوم، أقوى تهمة يمكن توجيهها ضد أي شخص يعمل في السياسة. وقد نجحت حملة متعمدة ومحسوبة لتطبيق هذا المصطلح على أي انتقاد «لإسرائيل».
من هنا يمكننا أن نفهم أنّ شيطنة انتقادات «إسرائيل» لم تكن حيلة عرضية من جانب الطبقة الحاكمة. لقد كانت الأداة الأكثر أهمية، التي تمكنوا من خلالها من القضاء على أقوى تهديد لهيمنتهم السياسية التي دامت إلى عقود من الزمن. لقد نجحوا لأن معظم الناس لم يكونوا منتبهين بصراحة. رأى العديد من الناس العاديين «إسرائيل» كما تعلّموا أن ينظروا إلى «إسرائيل»، كـ«دولةٍ ضحية».
أدّت الإبادة الجماعية «الإسرائيلية» في غزة إلى انهيار هذه الرواية. رأى الكثير من الناس الحقيقة على وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من كل محاولات وسائل الإعلام الرئيسية للإخفاء أو التعتيم أو التشويه، إلا أن الحقيقة ظهرت الآن. إنّ رد الفعل الذي أطلقته المؤسسة بالافتراءات «المعادية للسامية» على كل من يعارض الإبادة الجماعية - من الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية نزولاً - قد قضى أخيراً على قوة تلك الافتراءات.
إن المؤسسة السياسية، التي أسست دعمها «لإسرائيل» كمقياس أساسي للاحترام السياسي والذي يمكن استخدامه بدقة لاستبعاد غير المرغوب فيهم، لم تتمكن من تغيير أرضيتها والتخلي عنها. أصبحت «إسرائيل» الآن سامة للجمهور، وكذلك أصبح كل تاريخ التطهير العرقي والمذابح والإبادة الجماعية الطويلة التي يقوم عليها وجود «إسرائيل» ذاته. إنّ الطبقة السياسية الآن في حالة من الذعر، وتهاجم في كل مكان. تمّت بالفعل زيادة سلطات الشرطة للحد من حرية التجمع بشكل كبير في العام الماضي فقط بموجب قانون النظام العام 2023، حيث يمكن حظر أية مظاهرة صاخبة أو تسبب إزعاجاً. والآن لدينا دعوات من الوزراء المسؤولين إلى حظر المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين لأنها تسيء إلى مشاعرهم بطريقة يجدون صعوبة في تحديدها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1166
آخر تعديل على الجمعة, 26 نيسان/أبريل 2024 22:59