التفاصيل التي استهدفتها إيران في «إسرائيل» تشرح كلّ شيء
ديمتري مينين ديمتري مينين

التفاصيل التي استهدفتها إيران في «إسرائيل» تشرح كلّ شيء

عندما دمرت «إسرائيل» مجمّع سفارة طهران في دمشق دون سبب واضح في أوائل نيسان، مما أسفر عن مقتل العديد من المواطنين الإيرانيين، اعتبر كثيرون ذلك بمثابة سحب الزناد لحرب كبرى في الشرق الأوسط. ومن خلال إثارة ضربة انتقامية حتمية، أراد نتنياهو السعي إلى كسر الجمود في العلاقات مع الولايات المتحدة وجرها إلى الأعمال العدائية من جانبه.

ترجمة: قاسيون

وعلى طول الطريق، ربما كان من المخطط، بمساعدة الأمريكيين، حل المشكلة النووية الإيرانية التي كانت تقلق «إسرائيل»، وذلك من خلال التدمير الكامل للمنشآت ذات الصلة على الأراضي الإيرانية. كان المخطط «الإسرائيلي» ينص على أنه: بهدوء، سيكون من الممكن «إغلاق» القضية مع الفلسطينيين في غزة من خلال إخراجهم من القطاع، على خلفية حرب عظيمة… من كان سيلاحظ ذلك؟
ومع ذلك، تبيّن أن الردّ الإيراني المتوقع كان مدروساً ومتعدد الطبقات. لم يتم بعد تقييم عواقبه جميعها، حتّى بعد الردّ «الإسرائيلي» الباهت. لذا، وعلى الرغم من التبجح بشأن 99% من الأهداف التي تم إسقاطها، إلا أنّ الاستراتيجيين والجنرالات «الإسرائيليين» لديهم ما يفكرون به. في البداية، أعلن الجيش «الإسرائيلي» بشكل عام أنه أسقط جميع أهداف العدو التي تقترب من المجال الجوي، لكن بعد ذلك انتشرت العديد من الصور التي تظهر ما لا يقل عن عشرة صواريخ إيرانية تحلّق فوق الكنيست في القدس. ومن حسن الحظ أن «السقوط» فيه لم يكن على- ما يبدو- مدرجاً في مهامهم المخططة. من الواضح أن الدفاع عن المدينة كان فاشلاً.
إنّ التحليل التفصيلي لعملية «الوعد الصادق» الذي نفذته إيران يحتاج فقط إلى بعض الوقت، ومع ذلك، فإنّ حقيقة أنّ الولايات المتحدة ودولاً غربيةً أخرى سارعت إلى إقناع «إسرائيل» بعدم محاولة الرد بعمليات الإطلاق العديدة نفسها على الأراضي الإيرانية له دلالة كبيرة. حتى أنّ واشنطن، من خلال بايدن، تمكنت من الإعلان عن أنها لن تشارك في أي ضربة مزعومة للجيش «الإسرائيلي» على إيران. في الحقيقة، لا يتعلق الأمر بالحملة الرئاسية فقط. إنّ «حرباً صغيرة منتصرة» يمكن أن تساعد الرئيس الحالي في تأمين نسب انتخابية معتبرة هو بأمسّ الحاجة إليها. لكنّ هذا «الانتصار» ليس أمراً غير متوقع وحسب، بل قد تؤدي مثل هذه العملية إلى نتائج غير معروفة ولا يمكن التنبؤ بتأثيرها السلبي على الولايات المتحدة. خاصة أنّ الردّ الإيراني لم ينوِ إلحاق أكبر قدر من الضرر بالعدو، بل هدف إلى إظهار قدراتها على القيام بذلك. لقد أخاف الإيرانيون البعض في الغرب دون شك.
الغالبية العظمى من الطائرات دون طيار والصواريخ التي تمّ إطلاقها تمكنت من تحديد الترددات، ووجدت نوافذ للاختراق عند الوصول إلى المرحلة النهائية وفقاً لبعض البيانات. ووفقاً لبيانات أخرى، دخلت صواريخ «فتّاح 2» فرط الصوتية بحرية المجال الجوي «الإسرائيلي» وتمكنت من أن تضرب بحريّة مجموعة من الأهداف المتقدمة، وكان من بينها مركز الاستخبارات الفني الرئيسي للجيش «الإسرائيلي» في الجولان، وقاعدتين جويتين في صحراء النقب، والتي أقلعت منها الطائرات التي أطلقت الصواريخ على السفارة الإيرانية في دمشق. ولم تعلن إيران عن وجود مثل هذه الأسلحة لديها إلّا العام الماضي، وبذلك تكون هي الثانية في العالم بعد روسيا التي تختبرها بنجاح في قتال حقيقي.
في الوقت نفسه، قبل يوم واحد بالضبط من هذه العملية، نفذت إيران أكبر هجوم إلكتروني ضد «إسرائيل»، حيث قطعت الطاقة مؤقتاً عن نظام الرادار الخاص بها وعن مدينة تل أبيب، وهو الأمر الذي يفضل «الإسرائيليون» عموماً عدم التعليق عليه. من السهل أن نتخيّل مدى قوة الضربة الإيرانية إذا تمّت مزامنة كلا الحدثين مع بعضهما، وكانت جميع طائرات طهران مجهزة برؤوس حربية حقيقية، الأمر الذي تحاشت إيران فعله لعدم رغبتها في الانجرار إلى حرب كبيرة.

الخسارات أكبر من أن تُحصى

من الواضح أنّ ما يثير قلق القيادة «الإسرائيلية» بشكل خاص هو أنّه، بالإضافة إلى خسارة امتياز شن هجمات بعيدة المدى على عدوها اللدود، فقد خسرت في الواقع فرصة ابتزاز إيران باحتمالية شن هجمات بعيدة المدى، وبالتالي التهديد بضرب منشآتها النووية. نشأ هذا الوضع بفضل الضربة الإيرانية المدروسة خصيصاً لأكبر قاعدتين جويتين للجيش «الإسرائيلي»: رامون ونيفاتيم، الواقعتين على مقربة من المركز النووي الرئيسي في «إسرائيل» في ديمونة. من المفترض أنه لم يتم تطوير الأسلحة الذرية «الإسرائيلية» هناك وحسب، بل يقع هناك أيضاً مخزنها الرئيسي. ومن هاتين القاعدتين الجويتين سيتم إطلاقها في حالة الطوارئ. رامون ونيفاتيم، بطائراتهما وأنظمة الدفاع الجوي والصاروخي الخاصة بهما، هما الحارستان الرئيسيتان لمفاعل ديمونة: المنشأة «الإسرائيلية» الأكثر تحصيناً. وقد أثبتت إيران أنها تستطيع الوصول إليها، وهو ما لم تكن «إسرائيل» تتخيله. يبدو أن حقيقة إصابة الصواريخ الإيرانية مدارج الطائرات بدقة مذهلة، وليس الخدمات الفنية للقواعد الجوية، قد تمّ عن عمد. ومن خلال إحداث حفر في الخرسانة القوية والسميكة بشكل خاص، والتي كانت تهدف، من بين أمور أخرى، إلى استقبال طائرات الشحن الثقيلة للغاية والقاذفات الاستراتيجية من الولايات المتحدة، أظهر الإيرانيون أنهم يستطيعون بسهولة اختراق دفاعات مفاعل ديمونة، وربما حتى أسقف مرافق التخزين النووية.
ممّا يزيد الوضع سوءاً بالنسبة «لإسرائيل» أنّ المنشآت النووية الإيرانية الأحدث منتشرة في مختلف أنحاء البلاد ومدفونة في الصخور. ومن الصعب جداً على الجيش «الإسرائيلي» ضربها، خاصّة من دون دعم الأمريكيين الذين تخلوا على عجل عن هذا «الشرف». عليك أن تفقد عقلك تماماً، وهو أمر لا يمكن استبعاده تماماً للأسف، لكي تجرؤ على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. لكن حتّى وقتنا هذا، يبدو أن «الإسرائيليين» كانوا أقل جنوناً، ولم يفعلوا سوى إرسال ثلاث طائرات مسيرة صغيرة من داخل إيران في محاولة لحفظ ماء الوجه، بدت «سخيفة» حتّى لوزراء «إسرائيليين» أمثال بنغفير.
عندما قالت طهران بأنّها راضية عن عملية الرد، رغم عدم قتل ولا حتى «إسرائيلي» واحد مقابل جنرالاتها ومواطنيها، فهي تدرك المكاسب التي حققتها، وهي مكاسب كبيرة تكمن في مكان آخر. فبالإضافة إلى الاختراق الذي حققوه ضدّ نظام الدفاع الجوي «الإسرائيلي»، أظهروا بأنّ ميزان المدفوعات الهائل لصالح أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي الغربية لا يعني شيئاً في ميزان القتال في الميدان، وبأنّه مجرّد إنفاق زائد يمكن كسره وهزيمته بتكاليف أقل بكثير، يمكن للدول التي تسعى إلى الوقوف في وجه الغرب أن تتحمّلها.
إنّ الردّ «الإسرائيلي» في أصفهان كان باهتاً كما أشرنا، لكنّه منطقي في ظلّ عدم الرغبة الأمريكية في السماح «لإسرائيل» بتصعيد الموقف، رغم التضامن معها بشكل يثير الدهشة عند اعتراض الصواريخ والمسيرات الإيرانية. لا يمكن استبعاد أيّ شيء، فالمعسكر اليميني في «إسرائيل» يطالب «بهجوم ساحق»، ولهذا فالتهديد بإشعال حربٍ كبرى في الشرق الأوسط لا يزال قائماً. لكن في اللحظة الحالية، يبدو أنّ «إسرائيل» أيضاً باتت تدرك أنّ أحلامها في حربٍ كبرى سريعة تضمن لها الولايات المتحدة الحماية والتفوق فيها ليس بالأمر الممكن، حتّى من الناحية النظرية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1171
آخر تعديل على الجمعة, 26 نيسان/أبريل 2024 21:55