أمريكا.. ولعبة الأعاصير..

أمريكا.. ولعبة الأعاصير..

رن الهاتف ليكسر الصمت الطويل الذي ساد الغرفة طوال الصباح، إنه الاتصال الذي طال انتظاره، ترك الجميع أشغالهم ورفعوا رؤوسهم محدقين بالضابط المسؤول عن مركز الأبحاث المنسي تحت ركام من الثلوج وأمتار من الاسمنت، لا تصلهم الكثير من الاتصالات إلى ألاسكا حيث يوجدون الآن،

 وكان رنين هذا الهاتف المشفر كافياً للدلالة على أمر هام للغاية، تدل أجوبة الضابط المقتضبة على أن الوقت قد حان لتجربة نتاج أبحاثهم التي بدأت منذ شهور، «حاضر.. أمرك.. فوراً» أغلق الرجل السماعة والتفت إلى كبير المهندسين آمراً بإظهار الخريطة على الشاشة الرئيسية، إنها خريطة القطب الشمالي تغطيها رسومات تدل على درجات الحرارة وسرعة الرياح ومعدلات الرطوبة والضغط التي تخص كل بقعة من القطب، أشار بحزم إلى نقطة في الجنوب، ليتم تحديد هذه النقطة بمربع أحمر، أصدرت الاجهزة المضيئة أمامه صوتاً حاداً لينكشف الغطاء عن ثقبين متماثلين على طرفي طاولة التحكم، أخرج الضابط مفتاحاً أحمر معلقاً في رقبته وأشار لأحد المهندسين بأن يفعل المثل، أدخل الرجلان المفتاحين في ثقوبهما المخصصة ثم أدار كل منهم مفتاحه في الوقت ذاته، تحلق الجميع حول الشاشة عندها بعد أن لاحظوا زيادة غير طبيعية في سرعة الرياح، بدأ إعصار بحري بالوقوف فوق تلك النقطة التي أشار عليها الضابط منذ قليل، تجمعت الغيوم بسرعة وبدأت العاصفة بتحريك الأمواج لتضطرب أكثر وأكثر، إنها العاصفة المثالية التي «أتت الأوامر» بخلقها..

إنه النوع الجديد من الحروب، تلك التي «تبدو» طبيعية، ولن يمر الكثير من الوقت حتى تلجأ الإمبريالية العالمية إلى استخدام تكنولوجيا تقود من خلالها حرباً خفية وغير مجهدة، تعمل على  تغيير الطقس لإحداث فترات طويلة من التصحر أو الزلازل والأعاصير والفيضانات لإجبار «الأعداء» على قبول جميع الشروط التي قد تفرض عليهم في أماكن بعينها، يكفي أن نعلم أن دلائل وجود هذه الحرب كانت وما تزال ظاهرة للعيان، تجلت ذروتها في تلك الاتفاقية الصادرة عن الأمم المتحدة (اتفاقية انمود 1977) التي تحظر على كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق استخدام المناخ كسلاح، هذه الاتفاقية تعني أنهما قد تمكنا بالفعل من تطويع المناخ واستخدموه كسلاح، فقد اعترف الأمريكيون أنفسهم بأنهم استخدموا سلاح المناخ عام 1966 أثناء حرب فيتنام لإطالة فترة الرياح الموسمية على الجنود الفيتناميين لإعاقة حركة المقاومة بها وإتلاف المحاصيل وقطع الإمدادات اللوجستية عنها وكلفهم ذلك 12مليون دولار، ليكون هذا أول استخدام عدواني لسلاح المناخ.

بدأ التحكم في المناخ على يد عالم الرياضيات الأمريكي «جون فون نومان» الذي كان على علاقة وثيقة بوزارة الدفاع الامريكية عام 1940 وقد بشر بأشكال عديدة من الحروب المناخية يصعب تخيلها، وعلى أثر اكتشافاته تم تعديل الظروف المناخية بشكل «انتقائي» في مناطق بعينها والأضرار بمناطق أخرى، فقد توافرت تلك التقنية «السلاح» للولايات المتحدة الأمريكية بالذات بفضل امتلاك واشنطن لمركز أبحاث (Haarp) وهو اختصار (أبحاث في مجال الترددات العليا للشفق القطبي الشمالي) - مركز موجود في ألاسكا، يستخدم لتصدير كوارث «تبدو» طبيعية كما في كتاب «أسلحة الظل» للكاتب الفرنسي «مارك فيلترمان».

توصل العلماء إلى كيفية التحكم في المناخ عن طريق موجات كهرومغناطيسية تستخدم للتأثير على الطبقات العليا من الجو، لكن الاكتشاف الأكبر كان ل «برنارد استولين»، الأب المؤسس للمشروع وهو فيزيائي استطاع استخدام الطاقة الموجودة في الطبقات العليا من الجو لنقل الطاقة وحصل على براءة اختراع عام 1987 ونجح في أن يحصل على تمويل لأبحاثه من شركة اركو للبترول، لكن الجيش الأمريكي فطن لهذا الاكتشاف واستبعدوا ذلك العالم ليتم توجيه الأبحاث في مجال الطاقة الكهرومغناطيسية إلي أهداف حربية، وإذا كانت شركة اركو للبترول هي الواجهة، إلا أن الراعي الحقيقي للمشروع هما البحرية الامريكية وسلاح طيرانها.

يمكن لمشاريع Haarp تدمير الاقتصادات الوطنية لشعوب ودول بأكملها من خلال التلاعب بالعوامل المناخية. وتنفيذ هذا الهدف دون الحاجة لمعرفة قدرة العدو واستعداداته، بأقل تكلفة ممكنة دون إشراك الأفراد والمعدات العسكرية كما في الحروب التقليدية، فهو عبارة عن منظومة من الهوائيات العملاقة القوية قادرة على خلق «تعديلات محلية مسيطر عليها من طبقة الأيونوسفير» التي تمثل الطبقات الأعلى من الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية، بواسطة بث حزم راديوية عالية التردد لخلق تشويه محلي محسوب في هذه الطبقة تعمل كقرص عاكس لهذه الحزم وإرجاعها بترددات مختلفة للمناطق المستهدفة على سطح الكرة الأرضية، تفيدنا الدكتورة «روزالي بارتيل» المتخصصة في تأثيرات الاشعاعات، في تحديد مدى الضرر الذي يلحقه مشروع هارب بالأرض حين تقول بأنه «السخان العملاق الذي يمكن أن يسبب خللاً كبيراً في الأيونوسفير، حيث إنه لا يقوم بخلق ثقوب فقط، ولكن شقوق طويلة في هذه الطبقة الواقية من الإشعاع القاتل».

إنها تكنولوجيا جديدة تسمح بتطوير أسلحة غير مهلكة في شكلها، ولكنها الهلاك نفسه، تستخدم في حالة النزاع الذي لا يرتقي إلى حرب معلنة، وستصل إلى مرحلة النضج خلال العقدين القادمين فيما نسميه بأسلحة الظل لأن فيها أسلحة غير مرئية للعامة ويدركها فقط المتخصصون، كما أنها ستزيد من فرص التدخل العسكري الأمريكي على الصعيد الدولي، وإلى أزمات هائلة تليها سقوط بعض الحكومات وزعزعة مناطق بأكملها، فطبقا لما يشهده العالم الآن من حروب، وما أشارت إليه الدراسات الاستخباراتية، فان العالم سيشهد خلال العقدين أو الثلاثة القادمة، خاصة في الشرق الاوسط، وأفريقيا جنوب الصحراء وجنوب شرق آسيا، قحطاً غذائياً وندرة في المياه وفيضانات كارثية، وكل هذه الكوارث ترجع إلى تغير المناخ. وستؤدي هذه الكوارث في النهاية إلي تدخل عسكري ولكن في شكل منظمات «انسانية»، لذا لا غرابة في اعتبار ملف التغييرات المناخية كمحور السياسة الأمريكية للرئيس أوباما، لقد أدرجها ضمن أولوياته السياسية الدولية. كما أن مجلس الأمن القومي الأمريكي قد مد الحكومة الأمريكية العام الماضي، بأول تقييم متعمق له بشأن مدى علاقة الأمن القومي بالتغيرات المناخية، وانتهى هذا التقييم إلى أن للتغيرات المناخية تأثيراً جيوبوليتيكياً بالغ الأهمية في مختلف أرجاء العالم، وسيكون لها تأثيرها السلبي على بعض المشاكل مثل الفقر وتدهور البيئة وإضعاف الحكومات القومية، وهذا الضعف هو الذي ستعول عليه الحكومة الأمريكية لتدخلها في الشؤون الداخلية لأي دولة أخرى كما ستمكنها بدورها من سد حاجاتها من مصادر الطاقة، بعد أن عاثت في الأرض زلازل وبراكين وأعاصير!!