فصل في محاربة الإرهاب

فصل في محاربة الإرهاب

تتحدث قوىً داخلية وخارجية مختلفة عن محاربة الإرهاب عامةً، ومحاربته في سورية خصوصاً، كلٌ من منظوره ووفقاً لأهدافه ومصالحه، ما ينعكس تشتتاً في الرؤية وتضارباً في الفهم لا يشترك إلا في التوصيف الشكلي لممارسات الإرهاب المتوحشة دون النفاذ إلى مضامينه العميقة وقانونياته..

ن الإرهاب إذ يمتلك مواصفات «العنف السياسي» عامةً، أي العنف الذي يخدم اتجاهات وبرامج سياسية ضد أخرى، فإنه يختلف عنه في كونه عنفاً سياسياً دولياً يمارس تأثيره باسم منظومة عالمية ذات إرادة سياسية تخص العالم كاملاً وليس دولة بعينها، والإرهاب يتناقض في نهاية المطاف حتى مع العنف السياسي الداخلي لأنه يحمل مصلحة أخرى خارجية ليقحمها ضمن المعادلات الداخلية للدول. وعدم امتلاك الارهابيين أنفسهم لبرامج سياسية لا يعني أبداً عدم امتلاك رعاة الإرهاب لتلك البرامج. هذه الحقيقة البسيطة نفسها تغيب عن العديد من أصحاب الرأي نتيجة قصورهم المعرفي أحياناً كثيرة ونتيجة إرادتهم إخفاءها في أحيانٍ أخرى..
نستطيع القول إذاً أن الإرهاب هو عنف سياسي فوق قومي، ذو أغراض دولية، تقوم بتوجيهه قوىً دولية لإنفاذ مصالحها في العالم، ويمكن أن نضيف أن الأرضية الواقعية لتصنيع الإرهاب بدأت بالتشكل في تلك المرحلة التي بدأ الصراع فيها يتجاوز حدود الدول الوطنية.. فإذا كان تصنيع ألمانيا النازية و«إسرائيل» الصهيونية هي أول عمليات تصنيع لدول إرهابية، فإن دخول العالم لاحقاً مرحلة الحرب الباردة بوصفها استمراراً للصراع بين دولٍ ذرية، جعل من المتعذر تصنيع المزيد من الدول الإرهابية والانتقال نحو تصنيع التنظيمات والتيارات الإرهابية المتنقلة، العملية التي بدأت فعلياً في سبعينيات القرن العشرين، واستثمرت أعلى استثمارٍ ممكن خلال العقد الماضي من قبل واشنطن في «حربها على الإرهاب» من جهة، وفي نشر «الفوضى الخلاّقة» وتوسيع رقعتها من جهة أخرى.. وإنّ الشكل الإرهابي اليوم، هو كما الفاشية بالأمس، تكثيف عالٍ لتعفن النظام الرأسمالي العالمي، والحرب ضده ستخرج مع تطوره شيئاً فشيئاً من جلباب واشنطن لتدخل كجزءٍ مكون من منظومة حرب واسعة تخوضها الإنسانية ضد النظام الرأسمالي نفسه.. فماذا عن سورية؟
إنّ الشكل الإرهابي السافر والمعلن للعنف هو الشكل الوحيد الذي سيتبقى له ضمن الواقع الدولي الحالي، ذلك أنّ التوازن القائم على التراجع الأمريكي المستمر لن يسمح بإطالة أمد الإرهاب المتستر بالصراعات الداخلية البينية التي يفرض الواقع الدولي الجديد حلها سلمياً مهما امتد عنفها ومهما تضخم.. ولذلك فإن أصحاب العنف الداخلي ذي الأغراض السياسية الداخلية سيصطدمون بسرعة كبيرة مع الإرهاب ليس بوصفه عنفاً يواجه بعنف فقط، ولكن بوصفه عنفاً تجب مواجهته على قاعدة إنهائه بالتزامن مع التحول باتجاه العملية السياسية، أي من خلال إنهاء العنف البيني الداخلي وإرساء العملية السياسية محله بالتزامن مع توجيه العنف الداخلي كله باتجاه الإرهاب. وبالملموس عبر تحالف بين السوريين على اختلاف آرائهم السياسية ضد خطر خارجي.. وما يمنع هذا التحالف حتى الآن هو تعويل أطراف من الصراع الداخلي على تحقيق أهدافها المعلنة بأشكال أخرى، فإذا كانت محاربة الإرهاب ضرورة سورية ملحة، فإن محاربته لا يمكن أن تجري دون عملية سياسية تعزله وتسمح بتحالف السوريين ضده.