المتشددون يتوسلون من أجل اقتتال طائفي!

المتشددون يتوسلون من أجل اقتتال طائفي!

خلال يومين فقط تزامنت الأحداث التالية: (مجزرة قلب لوزة في إدلب والتي وقع ضحيتها عشرات السوريين، تصريحات اسرائيلية تظهر «قلقها» على مصير «طائفة بعينها» في سورية، تصريحات النائبين الطائفيين وليد جنبلاط ووئام وهاب، كل من موقعه ومن اصطفافه السياسي، لحمل السلاح وللقتال، وانطلاقاً من «مصلحة عليا» هي «المصلحة الطائفية» كما أعلن كل منهما

سقوط قذائف هاون داخل مدينة السويداء واستشهاد مواطنين اثنين، هجوم باتجاه مطار الثعلة وقرية الثعلة وارتقاء أربعة شهداء، حملات تجييش طائفي محمومة على شبكات التواصل الاجتماعي..)


ما هو المطلوب؟

إنّ العارف بواقع الحال الميداني لمحافظة السويداء ومحيطها، يستطيع أن يجزم بأنّ احتمال اجتياح المحافظة من جانب «داعش» أو «النصرة» أو شبيهاتها هو احتمال ضعيف، فتحقيق هدف من هذا النوع يحتاج إلى مغامرة كبرى، وغير مضمونة أبداً، بعشرات ألوف المسلحين، ضمن معركة طويلة الأمد. وذلك تحت تأثير عاملين أساسيين هما: إرادة القتال والصمود ضمن المحافظة، وطبيعتها الجغرافية الصعبة وامتدادها الجغرافي

الواسع. فما هو المطلوب إذاً؟!

إنّ حملات التخويف والترهيب و«التفزيع» المختلفة، ترمي إلى إشعال المحافظة من داخلها، عبر اقتتال أهلي داخلي يتركز بين أبناء المحافظة، وبين المهجرين السوريين إليها من المحافظات الأخرى، فاقتتال من هذا النوع هو فقط ما يمكنه أن يشكل خطراً حقيقياً على السوريين المتواجدين ضمن هذه المحافظة. أما اجتياحها من خارجها، وعلى ما يشكله من خطر، فإنّ إمكانية التعامل معه على أساس المقاومة الشعبية الوطنية هي إمكانية قائمة احتمالات انتصارها عالية جداً، كما كان الحال في عين العرب-كوباني.
ولذلك فلن يتورع المشتغلون على تنفيذ هذا المخطط، أياً كانت الجهات والأطراف التي يعملون لحسابها، وأياً كانت الشعارات التي يرفعونها، عن ارتكاب ما يلزم من فظائع لإنفاذ مخططهم إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، ما يجعل من واجب صيانة السلم الأهلي ضمن المحافظة وحمايته، والتعاون والتفاهم بين السوريين جميعهم ضمن المحافظة، مهمة وواجباً وطنياً ملّحاً. وهو ما يستلزم تحكيم العقل والمنطق والمصلحة الوطنية أولاً، وعدم الانجرار وراء منطق «الحمية» و«الفزعة» الذي يسعى البعض إلى المتاجرة به وجرّ الناس عبره إلى بحور الدماء والاقتتال التي لن تفيد أحداً إلّا تجار الحروب وأعداء البلاد.


رعب المتشددين أكبر!

إنّ ما ينبغي فهمه والتنبه إليه جيداً، هو أنّ المحاولة التي يتم الاشتغال عليها حالياً في السويداء ومحيطها، يبرز فيها بقوة دور العامل الصهيوني- «الإسرائيلي» الخبيث تحت يافطة «الانتصار» لطائفة سورية محددة و»الدفاع» عنها، بما يتلاقى للمفارقة مع واقع أن هذه المحاولة ذاتها قد تكون الأخيرة للمتشددين والفاسدين الداخليين والخارجيين، ومن طرفي الصراع، لمنع أو تأجيل الحل السياسي أو التأثير عليه وتوجيهه نحو شكل من أشكال التحاصص الطائفي، وتثبيت فكرة المكونات الدينية والطائفية والعرقية وليس السياسية للشعب السوري، فالحل السياسي يطرق الأبواب بقوة تتعاظم باطراد.. وإنّ الرعب والخوف الذي يحاول هؤلاء المتشددون بثهما في قلوب الناس عبر أعمالهم وتصريحاتهم المختلفة، لا يشكل شيئاً إذا ما قورن برعبهم هم من الحل السياسي، ومن صوت الناس الذي سيعلو في وجوههم مع تقدم عملية الحل السياسي وتخامد صوت الرصاص، ولذلك فإنّهم يتسولون اليوم على أبواب الطوائف والقوميات المختلفة علّها تنجر إلى بحر الدماء والعنف والدمار. وأفضل الردود عليهم يتمثل في الإصرار على الذهاب نحو الحل السياسي، وإبقاء خيار المقاومة الشعبية الوطنية مفتوحاً وحاضراً لأيّ اعتداء من القوى الإرهابية، بقلوب حامية ثابتة، وبعقول باردة هادئة، تضع مصلحة سورية والسوريين فوق كل المهاترات الطائفية والانقسامات الثانوية بين متشددين من هنا أو هناك.


الجيش ضامن الوحدة الوطنية

إنّ ما ينبغي التنبه له أيضاً، هو محاولات الطعن بمؤسسة الجيش، انطلاقاً من أخطاء أو انسحابات هنا أو هناك، ولكن ليس بغرض انتقادها وتصحيحها، وإنما بغرض التعريض بهذه المؤسسة سعياً نحو نزع صبغتها الوطنية الجامعة عنها.. إنّ هذه المحاولات لا تقل خطورة ولا تقل عمالة عن محاولات تكريس اقتتال أهلي داخلي، فأبناء هذه المؤسسة بمعظمهم هم من أبناء السوريين الفقراء الذين يجري نقلهم من جبهة إلى أخرى، ويوزعون دمائهم على الجبهات كلّها، وهذه المؤسسة كانت ولا تزال مستهدفة لأنّ تفكيكها يعني تفكيك جهاز الدولة وضرب النواة الأساسية لسورية موحدة أرضاً وشعباً، الأمر الذي يعني الذهاب بسورية إلى وضع مأزوم مستديم على غرار العراق أو ليبيا أو أفغانستان، وهو ما سيقتل إن جرى كل أملٍ بإيقاف الكارثة الإنسانية، وكل أمل بدفع سورية موحدة أرضاً وشعباً إلى الأمام نحو التغيير الوطني الديمقراطي الجذري الشامل اقتصادياً- اجتماعياً وسياسياً.