ملياردير متصهين يفصح للمرة الأولى عن غايات الإمارات في سورية...

ملياردير متصهين يفصح للمرة الأولى عن غايات الإمارات في سورية...

نشرت صحيفة «النهار العربي» يوم 6 نيسان الجاري، مقالة بعنوان: «الإمارات وسوريا... علاقة قد تعيد رسم مستقبل المنطقة». جاءت المقالة بتوقيع حسن إسميك، والذي تبين بالبحث أنه ليس صحفياً، بل مليارديراً أردنياً مقيماً في الإمارات، بدأ بالكتابة (أو بالتوقيع على مقالات مكتوبة) فقط بعد «اتفاقات أبراهام»، فيما كان يعمل قبل ذلك في الخفاء، وأنّ المقالات التي يوقع عليها تصب مصباً واحداً هو: الترويج والدفاع الوقح عن التطبيع مع الكيان.

في المقالة المشار إليها، وإذا تركنا جانباً المدائح بالجملة لشيوخ الإمارات على طريقة شعراء البلاط، وعلى طريقة «مثقفي السلطة»، فإنّ جوهرها قد تركز في جملة نقاط نبينها عبر اقتباسات حرفية منها. وستكون الاقتباسات طويلة إلى حد ما، ولكن لهذا ما يبرره كما سيلحظ القارئ:

  • «رغم كارثية هذا الزلزال، إلا أنه قد يُساعد في إعادة تراصف «الصفائح التكتونية» للمصالح العربية الدائمة: أي تعزيز قوة الإجماع العربي وإضعاف نفوذ إيران في المنطقة، وذلك من خلال الترحيب بعودة سوريا إلى محيطها وحاضنتها العربية».
  • «أثار وزير الخارجية الإماراتي قضية المساعدات الإنسانية التي تعبر الحدود التركية إلى سوريا مع الرئيس السوري بشار الأسد، في اليوم التالي التقى غريفيث الرئيس الأسد في دمشق، وأعلنت الأمم المتحدة قرار السماح بعبور المساعدات مباشرة».
  • «إذا كان فريق بايدن للسياسة الخارجية أكثر تركيزاً على المحيط الهادئ الهندي بدلاً من الشرق الأوسط، فبإمكانه أن يوكل الملف السوري إلى دولة الإمارات، وهي التي أبدت استعداداً وجاهزية عاليين لتأدية مهامه».
  • «إن أي جهود إماراتية لإعادة دمج سوريا في العالم العربي يجب أن تكون جزءاً من خطة طويلة المدى، وليست محاولة للضغط على دمشق لقطع العلاقات مع طهران على الفور».
  • «إن أي تطوير أو توثيق للعلاقات بين الإمارات وسوريا، سيخدم بلا شك مصالح كثيرة للطرفين، فإذا استطاعت الإمارات ضم سوريا إلى اتفاقات إبراهام فستحقق ما لم يستطع أي وسيط سلام تحقيقه، ولا حتى الرئيس الأسبق بيل كلنتون».
  • «... الدواعي الأخرى [لتوثيق عرى العلاقات بين الإمارات وسوريا] تشمل إغراء سوريا بالابتعاد من إيران وتمهيد الطريق لمحادثات سلام سورية إسرائيلية بوساطة إماراتية».
  • «سيعني التحالف الإماراتي السوري، بخاصة إذا حظيت الإمارات بدعم واشنطن والغرب، عقد محادثات سلام بين دمشق وتل أبيب.. فإسرائيل تعي جيداً أن السلام مع سوريا هو أمر بالغ الأهمية، وهي بغنى عن المزيد من التوسع الإيراني فيها، وما يشكله من تهديد مباشر لها وخطر محدق بها. أما سوريا فتريد أولاً استعادة الجولان، وهذا أمر قد يبدو صعباً، إلا أن التفاوض قد يوصل الطرفين إلى حلول مرضية.. إذاً هناك نقاط خلاف قديمة يمكن التفاوض عليها، وإيجاد صيغة تفاهم كما فعلت مصر والأردن سابقاً. وهناك مصالح مستقبلية أيضاً، فأي تفاهم مع إسرائيل سيعني انخراطاً لدمشق في المجتمع الدولي، وعلاقات جيدة مع الغرب، ومساعدات للنهوض من جديد، دون التخلي عن السيادة واستقلال القرار».

1117-11

وذكّر...

ربما تأتي أهمية هذا المقال من كونه أول إفصاحٍ علنيٍ- وإنْ كان غير رسمي- عن الغايات الحقيقية التي تعمل الإمارات عليها، عبر محاولاتها الانخراط في الشأن السوري. لم يكن من الصعب فهم هذه الغايات في وقتٍ مبكر، وكانت قاسيون قد أفردت لهذه المسألة بالذات عشرات المقالات عبر السنوات الثلاثة الماضية، عمدت فيها إلى توضيح الارتباط بين جملة مشاريع إقليمية بإدارة صهيونية أمريكية، وجملة شعارات تخص سورية أكثر من غيرها. نقصد هنا:

  • «مشروع خط الغاز العربي».
  • شعار «تغيير سلوك النظام» بدلاً من إسقاطه، والذي خرج للمرة الأولى عام 2016 من مطبخ السم السياسي الغربي: بريطانيا.
  • مشروع «خطوة مقابل خطوة»، الذي قادته اسمياً الأمم المتحدة، وبالجوهر كان مطلوباً منه الوصول إلى اتفاقٍ من تحت الطاولة ضد روسيا وإيران وتركيا، وضد الشعب السوري بطبيعة الحال.
  • «تخفيف العقوبات» وتدوير «سياسة المعابر»، كعلامات «حسن نية»..
  • «المبادرة الأردنية»، التي تبدو وكيلاً إقليمياً آخر يؤدي دوره ضمن عملية توزيع أدوار معدةٍ مسبقاً.
    كما أسلفنا، فإنّ قاسيون كانت قد التقطت مبكراً تحوّل الغرب من محاولة إنفاذ النموذج الليبي في سورية، إلى نموذج استنزافٍ عسكري، ووصولاً إلى نموذج «تغيير سلوك النظام» الذي يهدف إلى إطالة الأزمة من جهة (تحويل سورية إلى مستنقع)، وكذلك على أمل الوصول إلى ترتيب جديدٍ للمنطقة بأسرها تكون فيه «إسرائيل» هي المركز المتحكم.
    ونورد فيما يلي، بضع اقتباسات من قاسيون مع الإشارة لتاريخها، قبل الانتقال إلى الخلاصة:
  • وبوضوح: فإنّ اقتلاع سورية من الموقف المعادي للصهيونية هو جوهر الترجمة العملية لشعار «تغيير سلوك النظام».
    (من مقالة: ماذا يعني تغيير سلوك الغرب اتجاه النظام؟ 30/9/2021).
  • إعادة ترتيب المنطقة ضمن هذا المعنى، تحمل عناوين واضحة: (حشد الأنظمة العربية المطبعة وغير المطبعة في خانة واحدة ضد إيران وتركيا وروسيا، وإدماج الصهيوني في هذه المنظومة كحليف!) -المصدر السابق نفسه.
  • ما تسميه وسائل الإعلام الخليجية والعربية بعملية «تغيير سلوك النظام»، وبـ «التطبيع مع النظام»، ليس المقصود منه بأية حال من الأحوال فتح الباب أمام علاقات سليمة بين سورية كدولة، وبين الدول العربية الأخرى، وليس المقصود منه أيضاً هو خروج سورية من أزمتها أو تحسين أوضاع أهلها... بل المقصود وضوحاً، هو سحب سورية من اصطفافها التاريخي بشكل تدريجي (ولكن سريع)، نحو اصطفاف جديد تصبح فيه لا غربية الهوى اقتصادياً من حيث المتحكمين والفاسدين الكبار ضمنها نظاماً ومعارضة فقط، بل وأيضاً غربية الهوى سياسياً بشكل علني، ضمن استقطاب جديد شرقي- غربي، أداته الأساسية هي حرب الجميع على الجميع ضمن شعوب المنطقة، ولكن مع إبعاد أية حرب، أو حتى معركة، عن «إسرائيل»...
    (من مقالة: الخطة ألفا النسخة الثانية... لماذا التطبيع مع النظام ولماذا «التطبيع»؟ 14/11/2021)
  • في الوقت نفسه، ينبغي التفريق بين هذا النوع من المخططات الغربية، وبين ضرورة عودة علاقات سليمة بين الدولة السورية والدول العربية، وعلاقات كهذه لا يمكنها أن تقوم بشكل ندّي وحقيقي دون حل سياسي شامل على أساس القرار 2254، يسمح لسورية باستعادة سيادة شعبها، وسيادتها الإقليمية، ودورها الإقليمي الذي أرسته الجغرافية السياسية، ولكن قبل ذلك أرساه مؤسسوها الأوائل، ابتداءً من الشهيد يوسف العظمة... المصدر السابق نفسه.
  • إنّ المساعي الغربية باتجاه «التطبيع»، والتي كما قلنا تلعب فيها الإمارات دوراً متقدماً، تدخل أيضاً في إطار خلق اصطفافات محددة، من شأنها في نهاية المطاف تقديم خدمات مجانية للصهاينة، ناهيك عن تعميق الأزمة في سورية وإطالتها؛ إذ لم يخف النظام الإماراتي ومن حذا حذوه في هذه «الجهود» أنّ غايتهم هي إبعاد سورية عن كلٍ من إيران وتركيا، ووضعها في موقعٍ مضادٍ لهما، وكل ذلك تحت اسم «العروبة»! وليس خافياً اليوم، بل وطوال السنوات الثلاث الماضية على الأقل، أنّ طبيعة الاصطفاف المطلوب أمريكياً تتمثّل بشعار «الناتو العربي»، الذي هو «عربيٌ»، ولكن مركزه «إسرائيل»! وفي السياق نفسه جاء مشروع خط الغاز «العربي» أيضاً، والمدعوم من الأمريكان ومن بنكهم الدولي!
    (من مقالة: «تطبيع العلاقات مع سورية»: شعارٌ واحد ومضمونان متناقضان 5/9/2022).
  • على الضفة المقابلة، وبقيادة الجزائر عربياً، وروسيا ومعها أستانا دولياً، هنالك نمط آخر تماماً من الدعوة لتسوية الخلافات و«تطبيع العلاقات مع سورية». هذا النمط ليس المقصود منه تقوية أطراف الأمر الواقع في سورية، وإطالة عمرها وعمر الأزمة معها، وليس المقصود منه إدخال سورية في تحالفات وعداوات تصب في النهاية في المصلحة الغربية والصهيونية، بل العكس تماماً؛ المطلوب منه هو كسر الحصار على سورية، وإنهاء إحداثيات التدمير من خلال الاعتراف بأنّ الحل السياسي في سورية لا يمر عبر نزع شرعية أي طرف من الأطراف الأساسية في النظام والمعارضة، بل بالاعتراف بها، وعبر الاعتراف، الذهاب نحو اعتراف هذه الأطراف ببعضها على طاولة مفاوضات مباشرة لا تخضع لعمليات الخنق الاقتصادي والابتزاز السياسي الغربي، وصولاً لتطبيق الكامل للقرار 2254- المصدر السابق نفسه.
  • إنّ الارتباط عميق كما تظهر الوقائع، بين ما يسمى «التطبيع مع النظام» وبين «تغيير السلوك» وبين التطبيع، أي التطبيع مع الصهيوني؛ ولعل أهم المؤشرات على ذلك، هي أنّ أبرز عرابَين لما يسميه الغرب «تطبيعاً مع النظام»، هما نفسهما أبرز عرابين لعملية التطبيع مع الكيان الصهيوني، ونقصد الإمارات والأردن، اللتان تتقدمان بالوكالة للعب أدوار أكبر بكثير من حجمهما ووزنهما.
    (من مقالة: أين وصلت عملية «تغيير سلوك النظام»؟ سياق... أدوات... نتائج. 19/12/2021)

خلاصة

ليس هنالك الكثير لنضيفه على ما سبق أن قيل في قاسيون قبل سنوات في شأن «الجهود الإماراتية»، ولكن الجديد هو الظرف الراهن ومعانيه:

1- المصالحة السعودية الإيرانية، 2- اقتراب أستانا من تحقيق تسوية سورية تركية، 3- ازدياد الضغط على الوجود الأمريكي في سورية، وازدياد رغبة الأمريكان أنفسهم في الرحيل عنها بحكم تراجع قواهم وضخامة المعركة التي يخوضونها دولياً، 4- وفوق هذا وذاك أزمة الكيان الداخلية والخارجية المتفاقمة...
كل هذه العوامل تدفع نحو استنتاج واضح: ترف الانتظار وطبخ السم على نارٍ هادئة لم يعد خياراً ولم يعد ممكناً، بات من المطلوب نقل الطبخة من تحت الطاولة إلى فوقها، وليكن ما يكون، إما أن تتم وإما يجري فتح الخيارات الأخرى- إذا وجدت- بما فيها «الحرب»، وبالأحرى التلويح بها، لأنّه من غير المؤكد أنّ الكيان الصهيوني قادر على تحمل أعباء حرب في هذه الظروف، وإذا ما قادته الحماقة نحوها، فليس من المؤكد أنه سيكون قادراً على شن أية حربٍ أخرى بعدها...
لا بد في الختام من إعادة التذكير بأنّ هنالك فارقاً جوهرياً بين مسارين في استعادة سورية لأوضاعها الطبيعية بمعنى العلاقات الدولية؛ هنالك المسار الذي مركزه الصهاينة ويشارك فيه الإماراتيون والأردنيون كوكلاء، ولا يهدف إلى تحقيق الاستقرار في سورية، بل يهدف إلى استكمال تحقيق أهداف الحرب التي قامت فيها، أي إلى إنهاء دورها الوظيفي بشكل كامل. وهنالك مسار مناقض تقوده بشكل بارزٍ وواضح مجموعة أستانا ومعها الصين، وكذلك دول عربية أساسية على رأسها الجزائر. هذا المسار يسعى لإنهاء العقوبات والحصار على سورية، بالتوازي مع فتح الطريق لتحقيق استقرارٍ حقيقي فيها، لا يمكن أن يتم دون حل سياسي شامل على أساس القرار 2254، أي لا يمكن أن يتم دون تغيير جذري شامل لمصلحة الشعب السوري.
كذلك ينبغي الانتباه أيضاً إلى أنّ هنالك احتمالاً قد انفتح مؤخراً، مع التغييرات الكبرى التي تجري عالمياً وفي المنطقة، وخاصة بعد المصالحة السعودية الإيرانية؛ نقصد بذلك أنّ الإمارات نفسها ربما بدأت تعيد حساباتها بما يخص العمل كوكيل للصهيوني؛ إذ إنّ هذا الأمر بات يشكل خطراً مباشراً عليها، ولن يطول الأمر حتى يضعها في عزلة عن الواقع المتغير... ومن باب براغماتي وانتهازي بحت، ليس من المستبعد أنْ تحاول الإمارات غسل أوحال التطبيع عنها مع الوقت... وبكل الأحوال، سواء استمرت الإمارات بدورها هذا أم سعت للتراجع عنه، فإنّ وزنها بما يخص الوضع السوري هو وزن لا قيمة له بذاته، وإنما تأتي قيمته من الأصلاء الذين ينوب عنهم فيه، وهؤلاء الأصلاء أنفسهم وزنهم آخذ في التراجع في كل الساحات، بما فيها في سورية نفسها...

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1117
آخر تعديل على الخميس, 13 نيسان/أبريل 2023 11:19