نظرة شاملة للأهداف الحقيقية لعملية «حارس الازدهار» الأمريكية في البحر الأحمر

نظرة شاملة للأهداف الحقيقية لعملية «حارس الازدهار» الأمريكية في البحر الأحمر

أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن يوم الثلاثاء الماضي، 19 كانون الأول، وخلال زيارة له إلى البحرين، حيث يقع مقر القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية ومقرّ الأسطول الخامس الأمريكي، أعلن عزم الولايات المتحدة إنشاء تحالف بحري جديد يتولى القيام بعملية أسماها (حارس الازدهار)، وفق هدفٍ معلن هو حماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر ضد هجمات الحوثيّين.

حظي الإعلان، كما هو متوقَّع، بقدرٍ كبير من الاهتمام السياسي والإعلامي، وتمّ تناوله بعدد كبير من المقالات والتعليقات والتحليلات.

في هذه المادة، نحاول قراءة المعاني والأهداف الحقيقية لهذا «التحالف الجديد»، والتي نعتقد أنها أبعد وأوسع مما يجري الترويج له أمريكياً حول «حماية الملاحة في البحر الأحمر».

ولهذا الغرض، سنعمل على تناول المسألة من أكبر قدر ممكن من الزوايا، ومن خلال الإجابة عن سبع أسئلة أساسية متعلقة بها، لننتقل في النهاية إلى الاستنتاجات.

الأسئلة هي على الشكل التالي:

أولاً: من هي الدول المشاركة فعلياً في «حارس الازدهار»؟

ثانياً: ما الفارق بين حارس الازدهار و«CMF»؟

ثالثاً: ما هي التحولات التي طرأت مؤخراً على الملاحة في البحر الأحمر؟

رابعاً: لماذا رفضت كلّ من السعودية ومصر والإمارات الاشتراك؟

خامساً: ما علاقة رفح وفيلادلفيا ومعبر كرم أبو سالم بالموضوع؟

سادساً: هل تربح «إسرائيل» أم تخسر من إغلاق الملاحة في البحر الأحمر؟

سابعاً: هل هنالك علاقة لحارس الازدهار بما يجري في السودان؟

أولاً: من هي الدول المشاركة فعلياً في «حارس الازدهار»؟

وفقاً لوزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، فإنّ 10 دولٍ ستشترك في «التحالف الجديد». هذه الدول هي: (الولايات المتحدة، بريطانيا، البحرين، كندا، فرنسا، إيطاليا، هولندا، النروج، سيشيل، إسبانيا).

تبين بعد ساعات من إعلان أوستن، أنّ واشنطن (ربما) لم تشاور هذه الدول أو قسماً منها قبل الإعلان. اتضح ذلك من جملة تصريحات (قامت بتجميعها وكالة رويترز) أدلى بها مسؤولون رسميّون في بعض هذه الدول خلال الأيام الماضية...

وفقاً لهذه التصريحات:

  • إسبانيا أعلنت من خلال وزارة الدفاع الإسبانية رفضها الاشتراك.
  • هولندا أعلنت موافقتها ومشاركتها التي أثارت سخريةً واسعة إلى ذلك الحد الذي يبدو معه أنه لو أنّ هولندا رفضت الاشتراك لكان ذلك أفضل وأقلّ إهانة للأمريكي؛ ذلك أنّ هولندا أعلنت أنها ستشارك بإرسال ضابطين بحريين إلى القاعدة الأمريكية في البحرين!
  • النروج هي الأخرى أعلنت موافقةً ومشاركة من المستوى الهزيل نفسه: إرسال عشرة ضباط بحريين إلى القاعدة الأمريكية في البحرين.
  • فرنسا أعلنت دعمها «لتأمين حرية الملاحة في البحر الأحمر»، ولكن لم تعلن دعمها لعملية حارس الازدهار، بل وشفعت وزارة الدفاع الفرنسية تصريحاتها بالقول إنها: «تعمل بالفعل ضمن هذه المنطقة (البحر الأحمر)، وستواصل قطعها البحرية الموجودة في البحر الأحمر العمل تحت القيادة الفرنسية»، الأمر الذي ليس من الصعب فهمه بأنه «رفضٌ دبلوماسي».
  • إيطاليا لم تعلن رفضها للتحالف الجديد بشكلٍ قاسٍ، ولكنها أعلنته بشكل دبلوماسي إلى حدّ ما، وبما يكفي من الوضوح؛ إذ أعلنت وزارة الدفاع الإيطالية أنها سترسل الفرقاطة فيرغينيو فاسان إلى البحر الأحمر لـ«حماية المصالح الوطنية الإيطالية استجابةً لطلبات محددة تقدم بها أصحاب سفنٍ إيطاليون»، وأضافت أنّ قيامها بذلك هو «جزءٌ من العمليات الجارية فعلاً في البحر الأحمر وليس جزءاً من عملية حارس الازدهار».

كملخَّص، يمكن القول إنّ ثلاثاً من أهم الدول العشر التي أعلنت واشنطن أنها جزء من تحالفها الجديد هي إسبانيا وفرنسا وإيطاليا، قد أعلنت رفضها لهذا التحالف بشكل صريح أو شبه صريح، وأنّ دولتين أخريين (هولندا والنروج) ستشاركان مشاركة رمزية. إضافة إلى أنّ هنالك دولتين ضمن هذا التحالف (البحرين وسيشيل) هما دولتان بلا وزنٍ تقريباً. ليتضح أنّ التحالف يضم فعلياً ثلاث دول هي: الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا.

وربما من المفيد أيضاً التنويه إلى أنّه قد ظهر بعد إعلان أوستن، أنّ الولايات المتحدة قد حاولت جرّ عدة دول أخرى للتحالف وأنها وُوجِهتْ بالرفض. بين هذه الدول، كل من أستراليا (التي رفضت طلباً أمريكياً لإرسال قطع بحرية أسترالية للبحر الأحمر وذلك رغم وجودها في تحالف أوكوس)، والسعودية ومصر والإمارات، وغيرها.

cmf

ثانياً: ما الفارق بين «حارس الازدهار» و«CMF»؟

أوّل سؤال منطقي برز إلى السطح بعد الإعلان الأمريكي عن «حارس الازدهار»، هو: ما الحاجة لإنشاء تحالفٍ جديد في ظل وجود تحالف قائمٍ فعلاً، ومستمرٍ في العمل تحت القيادة الأمريكية، وفي المنطقة نفسها، وتحت الغايات والأهداف المعلنة نفسها، ومنذ 2001؟

المقصود هو تحالف (القوات البحرية المشتركة CMF)، والذي أسسته الولايات المتحدة عام 2001، وضم في حينه 12 دولة ثم اتّسع ليشمل حالياً 39 دولة وفقاً للموقع الرسمي لهذا التحالف.

لدى قراءة أسماء الدول المنضوية ضمن (CMF) على موقعها الرسمي، يتبين أنّ كلّ الدول العشرة المفترض وجودها ضمن تحالف «حارس الازدهار»، موجودة أساساً ضمن (CMF). ما يعزز السؤال آنف الذكر حول الغاية من التحالف الجديد؛ فقد كان من الممكن لواشنطن أن تعلن عن عملية خاصة تسميها «حارس الازدهار» أو أي اسم آخر، يقوم بها التحالف القديم نفسه.

التحالف القديم، ورغم امتداد عمله لـ22 عاماً، ورغم اتساع عضويته مقارنة بالجديد، فإنّه لم يتمكّن من إنجاز المهام المعلنة التي تم إنشاؤه لتنفيذها، ما يطرح فكرتين على الأقل، الأولى: لماذا سيتمكن تحالف جديد أصغر عضوية من تنفيذ ما لم ينجزه التحالف السابق الأوسع؟ والثانية: أليس تشكيل تحالف أصغر بدلاً من استخدام التحالف السابق الأوسع، دليلاً على أنّ قائمة الرفض للخطة الأمريكية الجديدة تشمل كل دول التحالف السابق التي لا تندرج في التحالف الجديد؟

هذه الفكرة الثانية بالذات، تعزّز السؤال الأساسي لهذه المادة: ما الغايات الفعلية، غير المعلنة، للولايات المتحدة من وراء «حارس الازدهار»، والتي تدفع بعدد كبير من الدول لرفضها، بما في ذلك دول موجودة في تحالف CMF الذي تقوده واشنطن؟ وتدفع واشنطن بالتالي لإنشاء تحالف جديد مصغّر؟

hothonship

ثالثاً: ما هي التحولات التي طرأت مؤخراً على الملاحة في البحر الأحمر؟

دخل الحوثيون المعركة بشكلٍ تدريجي متصاعد منذ 17 أكتوبر الماضي، أي بعد 10 أيامٍ فقط من 7 أكتوبر. وفي حينه، كان الشكل الأساسي لدخول الحوثيين، هو عبر إطلاق طائرات مسيرة باتجاه الكيان.

لم يبدأ التدخُّل عبر خطف وتهديد السفن «الإسرائيلية» إلا بعد ذلك بأكثر من شهر، وتحديداً يوم 19 نوفمبر الذي شهد أول عملية خطف لسفينة «إسرائيلية» ضمن الصراع الراهن.

جرى تصعيد لاحق عبر استهداف ليس فقط السفن المملوكة للكيان، بل وأيضاً تلك التي تتجه نحوه بغض النظر عن ملكيتها.

رغم ذلك، ورغم قيام الحوثيين بعدة عمليات في البحر الأحمر وبحر العرب، إلا أنّ الملاحة عبر البحر الأحمر وقناة السويس لم تتأثّر فعلياً، إلا خلال الأسبوع الأخير؛ أي قبل الإعلان الأمريكي عن «حارس الازدهار» بأيام قليلة، وبعده بصورة أكبر.

عام 2021، عبرت قناة السويس 20600 سفينة شحن، بمعدل 56 سفينة يومياً، ولم تشكل السفن المتجهة إلى موانئ «إسرائيل» الستة (ضمناً ميناء إيلات على البحر الأحمر)، إلا جزءاً ضئيلاً جداً من حجم هذا العبور. ما يعني أنّ وقف الملاحة عبر البحر الأحمر باتجاه الكيان، لا يمكنه بحالٍ من الأحوال أن يؤثر على الحركة الإجمالية للملاحة في البحر الأحمر إلا تأثيراً ضئيلاً قابلاً للإهمال لصغره؛ فحجم التجارة الإجمالية للكيان قد بلغ عام 2021، مبلغاً قدره 152 مليون دولار، 60 مليون صادرات، و92 مليون واردات، وإذا افترضنا أنّ هذه التجارة كلها كانت بحرية، فإنها (وللتقريب) لا تشكّل أكثر من 0.01% من حجم التجارة الدولية التي عبرت قناة السويس عام 2021 والتي تقدَّر بـ 1.9 ترليون دولار. أي أننا لو افترضنا أنّ سفن الشحن الـ 20600 التي عبرت قناة السويس متماثلة من حيث الحجم والطاقة الاستيعابية، إذاً لكانت حصة الكيان لا تتجاوز 21 سفينة طوال عام 2021.

يضاف إلى ذلك، أنّ خمسة من موانئ الكيان الستة، تقع على البحر المتوسط، بينها الميناء ذو الطاقة الاستيعابية الأكبر لديها، وهو ميناء حيفا. ما يطرح سؤالاً بسيطاً ومنطقياً: أليس تغيير مسار سفن الشحن المتجهة إلى الكيان والقادمة من آسيا، لتمرّ عبر رأس الرجاء الصالح ومن ثم المتوسط، أوفر بملايين المرات، من عمليات عسكرية في البحر الأحمر يكلّف التصدّي خلالها لكلّ درون (طائرة مسيرة) يطلقها الحوثيون، 2 مليون دولار وفقاً للتقديرات الأمريكية؟

ومرةً أخرى، يعزّز هذا السؤال، سؤال المادة الأساسي حول الغايات الحقيقية لدى الولايات المتحدة وراء تحالفها الجديد، والتي يبدو معها واضحاً أنّ هجمات الحوثيين والتصدي لها، من وجهة نظر صانعي السياسية الأمريكية، ليست إلا ذريعةً تختفي وراءها الأسبابُ والغايات الحقيقية.

بالعودة إلى التغيرات التي طرأت على الملاحة البحرية في البحر الأحمر خلال الأيام القليلة الماضية، فإنه يمكن رصد ثلاثة محاور أساسية لهذه التحولات:

  • أعلنت عدة شركات شحن بحري غربية كبرى عن وقف مرور سفنها في البحر الأحمر، وتحويل مسارها نحو رأس الرجاء الصالح، رغم أنها ليست تحت أي تهديد حقيقي من الحوثيين الذين أثبتوا بالتجربة الملموسة أنهم لن يمسّوا أيَّ سفينة لا تتّجه نحو الكيان، وليست مملوكة من قبله.
  • دخلت شركات صينية وآسيوية لمَلء الفراغ، وعبر تفاهمات معلنة أو غير معلنة مع الحوثيين، لاستكمال عمليات الملاحة التجارية عبر البحر الأحمر وقناة السويس.
  • تصدّى الغرب لمحاولة «الالتفاف» هذه، عبر سياسات جديدة لشركات التأمين العالمية الكبرى على الملاحة البحرية، والتي توقَّفَ جزءٌ مهمٌّ منها عن منح بوليصات التأمين للرحلات البحرية التي من المفترض أن تعبر قناة السويس. وتلك التي استمرت بمنح بوليصات التأمين، قامت بالتوازي، برفع تكاليفها إلى الحدّ الذي بات معه تحويل السفن مسارَها باتجاه رأس الرجاء الصالح، أوفر من المرور عبر قناة السويس، وبتخفيض تكاليف بوليصات التأمين عبر طريق رأس الرجاء الصالح بتعزيز هذا الاتجاه نفسه.

وإذاً، يمكن القول إنّ الولايات المتحدة تعمل على صعدٍ متوازية: عسكرية، وسياسية، واقتصادية-مالية، وإعلامية، على وقف الملاحة نهائياً في البحر الأحمر، في الوقت نفسه الذي تقول فيه إنها تسعى لحمايتها ولـ«حماية الازدهار»!

رابعاً: لماذا رفضت كل من السعودية ومصر والإمارات الاشتراك؟

ليس من الصعب معرفة الأسباب التي دفعت كلاً من السعودية ومصر، لرفض الاشتراك في التحالف الأمريكي الجديد. وهذه الأسباب يمكن تلخيصها بما يلي:

  • اشتراك السعودية سيعني تجديد الحرب في اليمن، وسيعني عودة كابوس التهديدات الحوثية للمصالح السعودية، ناهيك عن أنه سيعني انهيار التسوية السعودية الإيرانية... ومقابل هذه المخاطر الكبرى كلها، فإنّ واشنطن لا تُقدِّم ولا تَعِدُ حتى بأيّ فائدة للسعودية.
  • أيّ مشترك في هذا التحالف، سيعاني خسائر شعبية كبرى، باعتباره تحالفاً -من حيث الظاهر على الأقل - لا لحماية الملاحة البحرية، بل لمساندة الكيان في وجه أعدائه، ولمساندة جرائم الكيان في وجه الشعب الفلسطيني.
  • بالنسبة لمصر، فمن الواضح تماماً أنه ليس من مصلحتها الاشتراك في تحالفٍ أوَّلُ «بشائره» هو الدفع باتجاه وقف الملاحة البحرية في البحر الأحمر وعبر قناة السويس... ناهيك عن التموضع الخطر الذي ستجد مصر نفسَها ضمنه لو أنها قبلت بالانضمام؟

بالنسبة للإمارات، فمن المرجَّح أنّ رفضها ليس نابعاً من «قناعاتها» أو من تموضعها المتصَهين الواضح، بل هو نتيجةٌ للرفض السعودي المصري، والذي أجبرها فعلياً على عدم المشاركة. 

خامساً: ما علاقة رفح وفيلادلفيا ومعبر كرم أبو سالم بالموضوع؟

دون الاستفاضة بكثير من التفاصيل، فإنّ الضربات «الإسرائيلية» المستمرة والمتصاعدة باتجاه رفح وفيلادلفيا ومعبر كرم أبو سالم، بالتوازي مع استمرار الضغط باتجاه تهجير أهالي القطاع نحو الجنوب، تكشف أنّ الصهيوني ما يزال يعمل على مخطط التهجير، وما يزال يضغط باتجاهه بكل ما لديه من قوة.

الرابط بين هذا السلوك، و«حارس الازدهار»، أنهما يبدوان أداتين متكاملتين في الضغط على مصر، وفي محاولة دفعها للقبول بمخطط التهجير.

-

سادساً: هل تربح «إسرائيل» أم تخسر من إغلاق الملاحة في البحر الأحمر؟

كنا قد أشرنا بشكل سريعٍ فيما سبق، إلى أنّ تحويل مسار سفن الشحن الذاهبة إلى «إسرائيل»، يمكنه أن يكون أوفر بملايين المرات، من المضي باتجاه «حارس الازدهار»، وفعلياً من المضي باتجاه إغلاق الملاحة البحرية عبر البحر الأحمر.

في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى مقالٍ ملفتٍ للانتباه حقاً، وابتداءً من عنوانه، تم نشره في موقع i24 «الإسرائيلي»، يوم 21 ديسمبر، بعنوان: «تحالف أمريكي لمواجهة الحوثي... حارس "للرخاء" أم جالب "للبلاء"».

محصلة هذا المقال، هي انتقادٌ غير مباشر للخطة الأمريكية، وتشكيك بأنّ الخسائر التي ستترتب عليها أكبر من الفوائد، بما في ذلك بما يخص «إسرائيل» نفسها.

سابعاً: هل هنالك علاقة لحارس الازدهار بما يجري في السودان؟

الحرب الداخلية في السودان، كانت قد هدأت نارها نسبياً خلال الأشهر القليلة الماضية. وخلال الأيام القليلة الماضية، وبشكل مفاجئ، عادت نيران الحرب إلى الاستعار بشكلٍ كبيرٍ وغير مسبوق؛ وتمثَّلَ ذلك بنشاطٍ جديدٍ وحشيٍّ وواسعٍ لمجموعة «الدعم السريع» التي يقال إنها مدعومة إماراتياً، والتي من المعروف أنها تقف في صفٍ معادٍ لمصر بالدرجة الأولى وللسعودية بالدرجة الثانية.

الرابط الواضح مع «حارس الازدهار»، أنّ النشاط الجديد لمجموعة الدعم السريع، يشكل ضغطاً إضافياً على كل من مصر والسعودية، وعلى مصر خاصةً.

وربما ليس مفاجئاً، ضمن هذه الإحداثيات، أنّ ملف سد النهضة أيضاً قد بدأ بالعودة إلى الواجهة، ولن يكون مستغرباً أن يتم تسعير الصراع في ليبيا على الحدود مع مصر مجدداً في وقت قريب.

الأهداف الحقيقية

بعد طوفان الأقصى مباشرة، ومع بداية تبلور «الرد» الأمريكي الصهيوني، قالت «قاسيون» بشكلٍ متكرر، وعبر افتتاحيّاتها وموادها الداخلية، أنّ «حدود المعركة بالنسبة للمركز الأمريكي والتابع "الإسرائيلي"، ليست حدود فلسطين، بل أوسع وأبعد من ذلك بكثير؛ فالأمريكي يخوض بشكلٍ متوازٍ، وفي عدد من ساحات الصراع العالمي، حربه الشاملة للدفاع عن هيمنته العالمية المتداعية، وضد ميزان القوى الدولي الجديد. والخسارة في فلسطين، لن يطول بها الوقت حتى تتحول إلى ترجمة سياسية واضحة في كامل منطقتنا، والتي تعتبر مفتاحاً بالمعنى الجيوسياسي ربما يفوق في أهميته أي ساحة أخرى من ساحات الصراع العالمي». (من افتتاحية العدد 1151 من قاسيون: غزة تعيد رسم الإقليم).

في الافتتاحية نفسها، قالت قاسيون: «تسعى واشنطن سعياً محموماً لتوسيع الصراع، ولكن بطريقتها؛ أي عبر محاولة استخدام النار المشتعلة في غزة كفتيل تفجير للمنطقة بأسرها، ضمن «فوضى شاملة» قائمة على صراعات داخلية. وفي هذا السياق، ربما يكون الهدف الأقرب هو مصر، التي يمكن لتفجيرها أن يتحول إلى صاعق ضخم لسلسلة تفجيرات في كامل المنطقة، يكون التالي فيها هو السعودية، وبما يقطع الطريق على التحول التدريجي الجاري على قدم وساق، وفي كامل منطقتنا، باتجاه التخلص من التبعية للأمريكي، وباتجاه علاقات متكافئة وندّية تستفيد من التوازن الدولي الجديد».

 

ضمن هذه الرؤية، وفي الإطار الإجمالي لما أوردته هذه المادة من وقائع وتحليلات، يمكن الاستنتاج أنّ الهدف الأمريكي من وراء «حارس الازدهار»، ليس متعلقاً بفلسطين ولا حتى بالحوثيين؛ بل هو أداةٌ من أدوات الدفع نحو الفوضى الشاملة في المنطقة، عبر مزامنة كل أدوات الضغط باتجاه التفجير، وخاصة بما يخص مصر بالدرجة الأولى، والسعودية بالدرجة الثانية.

 

النتيجة الإضافية التي تحتاج إلى تحليل منفصل، ولكنها مع ذلك تستحق الإشارة في هذا السياق، هي أنّ الولايات المتحدة، وفي إطار صراعها للحفاظ على الهيمنة، تسرّع عملياً تقويض تلك الهيمنة... كيف ذلك؟

في المثال الملموس المتعلق بالملاحة البحرية عبر البحر الأحمر وبحر العرب وقناة السويس، تقوم واشنطن بتلغيم أحد أهم عناصر هيمنتها والهيمنة الغربية التاريخية على العموم: طرق الملاحة البحرية؛ إذ إنه من المعلوم تماماً أنّ واحدةً من أهم دعائم الاستعمار الأوروبي تاريخياً، كانت الملاحة البحرية على حساب التجارة البرّية، لأنّ التحكم بالعالم عبر الملاحة البحرية، وعبر الأساطيل، مكّن الغرب من التموضع على مفاصل عملية الإنتاج-الاستهلاك العالمية، ومكَّنَه تالياً من نهبها بشكل مستمر، بالأشكال القديمة ومن ثم بالأشكال الاقتصادية الحديثة.

ما تقوم به الولايات المتحدة اليوم في البحر الأحمر، وإنْ بدا على المستوى المنظور، أداة في الضغط باتجاه الحفاظ على الهيمنة الأمريكية، إلا أنه وفي الوقت نفسه، وعلى المدى المتوسط والاستراتيجي، هو أداة في دفع كل دول العالم نحو تسريع عملية التخلص من المنظومة الاقتصادية المالية التجارية المسيطَر عليها أمريكياً وغربياً؛ سواء كان ذلك ضمن التجارة البحرية نفسها، وتفاصيلها المختلفة بما فيها التأمين البحري، أو عبر تسريع تعزيز الطرق البرّية كخيارٍ إجباري في ظلّ التبني الأمريكي العَمَلي لخيار شمشون (اقتصادياً) عبر سياساتها المختلفة ابتداءً من العقوبات ووصولاً إلى «حارس الازدهار»...

معلومات إضافية

العدد رقم:
000
آخر تعديل على الجمعة, 22 كانون1/ديسمبر 2023 19:59