هكذا تهدم أفريقيا آخر حجر في عرش الإمبراطورية الفرنسية

هكذا تهدم أفريقيا آخر حجر في عرش الإمبراطورية الفرنسية

منذ الانقلاب الذي تمّ في النيجر، نشرت العديد من وسائل الإعلام الأفريقية معلومات شاملة ومفصلة عن كيف غذّت أفريقيا الاقتصاد الفرنسي، وكيف أن رفاه الشعب الفرنسي - ومعه العديد من شعوب أوروبا- قائم في أساسه على نهب الدول الأفريقية. لهذا، لم يكن من المستغرب أن باريس لم يكن لديها ما تعترض عليه، واختارت ببساطة أن تتجاهل هذه المعلومات.

تؤكد الأرقام أنه ومنذ فترة طويلة يتم توفير ما يصل إلى 70% من إجمالي حجم المواد الخام المستخدمة في فرنسا لصناعة المعادن والصناعات الكيميائية والغذائية من المستعمرات الفرنسية السابقة في أفريقيا، أي من حوالي 16 دولة أفريقية. حيث يتم توريد الكروم واليورانيوم والنحاس وخامات المنغنيز والبوكسيت والمعادن الأرضية النادرة والنفط والزئبق والجرافيت وقصب السكر والمواد الخام الأخرى إلى فرنسا بأسعار منخفضة للغاية. ولا تزال جميع قطاعات اقتصاد هذه الدول وموانئها خاضعة - قانونياً أو فعلياً - لشركات من العواصم الاستعمارية الغربية.

بلجيكا مثلاً امتلكت لأكثر من 100 عام مساحة في إفريقيا كانت أكبر بمئات المرات من أراضي بلجيكا نفسها. والشيء ذاته مع فرنسا، التي استعمرت أراضٍ أفريقية بشكلٍ مباشر حتى ستينيات القرن الماضي (أي أكثر من 10 أضعاف أراضي فرنسا نفسها) وبشكل غير مباشر حتى الآن.

نتيجة لانتصارات حركات التحرر الوطني ودعمها من الاتحاد السوفيتي، اكتسبت جميع المستعمرات الفرنسية تقريباً وجميع المستعمرات البلجيكية (والبريطانية) الاستقلال السياسي في أواخر خمسينيات القرن الماضي والنصف الأول من الستينيات. لكن الهيمنة الاقتصادية للعواصم الاستعمارية الغربية لا تزال قائمة في معظم هذه الدول. ولطالما كانت تؤدي محاولات القادة المحليين لتغيير الوضع على الفور إلى تدخلات لقوات المستعمرين في تلك الدول.

لنأخذ كوت ديفوار على سبيل المثال (الاسم الاستعماري السابق لساحل العاج)، حيث تدخلت القوات الفرنسية لتثبيت النظام في هذه المستعمرة ثلاث مرات على الأقل خلال أربعين عاماً، وفي الغابون مرتين، وفي توغو وتونس وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو بما مجموعه 8 مرات. وهذه كلها مستعمرات فرنسية سابقة.

بالإضافة إلى ذلك، نفذت قوات من فرنسا وبلجيكا ودول الناتو الأخرى أكثر من مرة تدخلات «جماعية» في الكونغو البلجيكية السابقة. بهدف فصل مقاطعة كاتانغا عن الكونغو، التي تشكل ثلث الأراضي الكونغولية، وهي غنية للغاية بمجموعة متنوعة من الموارد الطبيعية، وخاصة اليورانيوم والماس والذهب والبلاتين والمعادن غير الحديدية.

ووفقاً لتقديرات الخبراء، فإن الناتج المحلي الإجمالي لفرنسا بدون مواقعها الاقتصادية الاستعمارية الجديدة في المستعمرات الأفريقية السابقة لن يكون أكثر من 50% من المستوى الحالي للناتج المحلي الإجمالي الفرنسي. وفي بلجيكا لا يزيد عن 40%. في المقابل، فإن التصنيع الشامل للمستعمرات الفرنسية السابقة والبلجيكية السابقة سيضمن أن يكون الناتج المحلي الإجمالي الخاص بها أكثر من 10 أضعاف مستواه الحالي!

كانت مناهضة الاستعمار الغربي هي السمة الأساسية لبعض التحركات التي جرت في السنوات الأخيرة في عدة دول أفريقية، والتي اشتركت فيما بينها بكسر الاحتكارات الفرنسية، ومحاولة تنويع العلاقات والمشاريع الاقتصادية لتشمل دول الصين وروسيا التي باتت توفّر ملاذاً يؤمّن للشعوب الأفريقية تجارةً عادلة تحترم مصالح الشعوب أولاً.