وسيم الدهان وسيم الدهان

في البسطات.. وما ورائياتها!

شكّلت ظاهرة البسطات التي انتشرت في شوارع دمشق وأسواقها خلال الفترة الماضية حالةً من «القرف» لدى المواطنين، ولكن اختفاءها المفاجئ من عدّة أماكن، وبعيد ساعات قليلة من صدور قرار محافظة دمشق المتضمن تخصيص أماكن مجانية يقونن تواجدها، شكّل بحد ذاته «مفارقةً» من العيار الثقيل، أودت على الأقل بما تبقى من ثقة لدى البعض الأخير من الناس الذين كانوا يؤمنون بـ«استقلالية» إدارة المحافظة وميلها لخدمة المواطن أولاً والمدينة ثانياً!.

فبعد اعتياد سكان دمشق وزائريها على وجود البسطات كجزء من حياتهم اليومية في عدد من الأماكن- رغم مخالفة هذا الأمر للقوانين المرعية سابقاً بطبيعة الحال- تفاجأ هؤلاء باكتشاف حقيقة جديدة لطالما أحسوا بأنها- لا غيرها- كانت تمثل السبب في وجود البسطات والمبسّطين من خلفهم ومن بين أيديهم، دون حول أو قوة لهم أو لعناصر شرطة البلدية في العاصمة للتعامل مع الأمر.

لقد أوعزت المحافظة بإزالة البسطات، هذا مفهوم، ولكنّها كثيراً ما أوعزت بهذا الأمر في الماضي، فما الذي جعل الأمر مختلفاً هذه المرة؟!.

يقول كثير من المارة: إنه قرار المحافظة.. ويكتفون بذلك!.

ولكن هناك غيرهم، ممن يشيرون إلى إيمانهم «القديم» بأن هناك قراراً آخر ذا طابع «خاص» في الموضوع، ولابد أنه يتعلق بعدد من العناصر العاملين في بعض الجهات التنفيذية، وبعدد من الشخصيات التي يشوبها الفساد، والتي تتحكم ببعض المفاصل الإدارية داخل المحافظة أو في مؤسسة أخرى، فهذا البعض من هنا وهناك هو الذي كان يسهّل للمبسّطين محاصرة الأرصفة وإطباقها على المواطنين بكل استهتار وفقاً للمشككين، إذ لم يكن وجود هذه البسطات «استرزاقاً» بمجمله حسب وجهة نظرهم، لأنه من المستحيل أن يكون جميع باعة «الدخان المهرب» مجرد عاطلين عن العمل وجدوا ضالتهم في مخالفة القانون علناً، وعلى قارعة الطريق، ولذلك كان لابد من وجود قوة فساد تلعب في الخفاء لأهداف محددة إضافة إلى تحقيق الربح، و«يشدّ» المخالفون ظهرهم بجشعها تارةً أو بما توكله إليهم من مهام تارةً أخرى، بما يكفي ليضع بسطاتهم خارج صلاحيات منفذي أوامر المحافظة الملتزمين بالقانون (وهم قلة في أغلب الظن)، ويجعلهم عملياً فوق القانون!.

إذاً الأمر لم يكن بيد محافظة دمشق أبداً حسب هؤلاء، فهل يعني اختفاء البسطات مؤخراً أن الجهة صاحبة الأمر ظهرت إلى الواجهة وقررت فجأةً أن تغير تكتيكها، فكانت الخطوة الأولى الاستعاضة عن «ديكور» البسطات بتصميم جديد أقل إزعاجاً للسكان؟!.

وهل هناك ما يمكن للمحافظة أن تفعله لتكون سيدة نفسها فيما يخص القضايا المتعلقة ببسطاتها وسلطاتها وصلاحياتها (رغم التحفظات على هذين المفهومين الأخيرين)؟!.

«الحمد لله» تخلصنا من البسطات- ربما إلى حين- وكل المنى أن يكون هذا الحمد محمود العواقب.. فنتخلص بعده ممن استخدموا البسطات لغير ما خلقت له، ممن استخدموها لخدمة أغراض لا تتعلق بتحصيل لقمة العيش بقدر ما تتعلق بـ«الضبط الإداري و(غير الإداري) المشوب بالفساد» والساعي لتوظيف الأرصفة لخدمة أغراض تتعارض ومهامها الطبيعية، بل وربما لتحقيق منسوب أعلى من «الضبط» والتحكم بلقمة العيش نفسها وبالباحثين عنها بصدق على امتداد الأرصفة!.

 

فليكن غد المدن السورية بلا بسطات.. وبلا فُسّاد يحتسون الشاي لينفثوا الدخان المهرب في رئة المجتمع المسالم!