ريف حلب: هروب إلى الموت أو الحياة؟!

ريف حلب: هروب إلى الموت أو الحياة؟!

في عتمة الليل، وبخطى خائفة، عبروا الظلام بحثاً عما تبقى لهم من حياة، فراراً من بطش تنظيم وضعهم بسجن كبير، ومن جحيم معارك قادمة، انتظارها أسوأ من وقوعها على رؤوسهم.

 

وللمفارقة، إن تنظيماً إجرامياً وفاشياً كداعش، استطاع توحيد المواطنين في سورية والعراق، لكن ضمن معاناة واحدة من قتل وهجرة، وعبثية البحث عن الحياة، ما ضيق عليهم عيشهم، كلما تقلص حجم مناطق سيطرته، لينعكس تفاقماً في سوء المعاملة.

هروب متزايد

الهروب من مناطق «التنظيم الأسود» بدأت منذ وقت مبكر من سيطرته وإعلان عاصمته «مدينة الرقة»، بالبداية كان أغلب الهاربين من الشباب، فراراً من تجنيدهم من قبل التنظيم، ومن ثم الأطفال حينما بدأت المعارك تحصد العديد من مقاتلي التنظيم، وإعلانه عما يسمى «أشبال الخلافة»، اليوم باتت عوائل بأكملها تهرب، أو من تبقى من تلك العوائل، وبتزايد ملحوظ.

التسعيرة (بالدولار)!  

العديد من الأسر اضطرت لبيع ما تبقى لها من أثاث، أو الاستدانة لدفع كلفة هروبهم من هذا الجحيم، وحمل ما خف من الضروريات، لمشقة المسير، وخاصةً عند وجود أطفال أو كبار سن، فترواحت تكلفة الهرب بين 100و180 دولار للشخص الواحد، تزيد أو تنقص بحسب الوجهة والمسافة المقطوعة، بحجة صعوبة الطريق ووعورته بين طرق ترابية، وأراضٍ زراعية من جهة، وعدد المهربين الذين سيتتالون على القافلة من جهة أخرى، فحتى المهربون معرضون لخطورة قطع رؤوسهم تحت تهمة «تهريب المسلمين من مناطق أرض الخلافة»!!.

يقول محمد: «خرجت بصحبة أبنائي وعائلة أخي وسيدة مع أطفالها، كنا 13 شخصاً 5 منهم أطفال، دفعنا مبلغ 975000 ل.س، هو لقاء وعود من المهرب، بوجود وسيلة مواصلات، إلا أننا ركبنا لمدة نصف ساعة، وما تبقى من الطريق، وهو ما يزيد ثلاث ساعات متواصلة، سيراً على الأقدام ما يقارب 13كم».

تواطؤ ومنفعة متبادلة؟

رغم ما يعلن عنه التنظيم من عمليات إعدام للعديد من تجار تهريب المدنيين، إلا أن ذلك لا يخفي تواطؤاً ما، بينه وبين هؤلاء المهربين، ما يسمح لهم باجتياز -حقول ألغام مزعومة في بعض المناطق - لمنع المواطنين من التفكير بأية محاولة للهرب بشكل فردي أو جماعي، مع العلم أنهم من سكان المنطقة ومن الاستحالة أن يتوهوا فيها، وبالتالي اختراع مصدر للتمويل، مع التصدعات المتتالية التي تهز التنظيم من الداخل، والتي تضعف السيطرة على أطرافه، وإلا فمن أين جاؤوا بخرائط حقول الألغام، إن لم يكن لهم ارتباط بالتنظيم!؟.

سماسرة «للحياة»

تَوَحش الأزمة السورية، أتى من حجم الكارثة التي تعرض لها الشعب السوري، وخاصةً ما نتج عن ذلك من سماسرة مفاصل مهمة للحياة، ولكن حينما يكون للحياة بحد ذاتها سماسرة، هنا لا يمكن إلا الوقوف بذهول أمام المستوى الذي بلغته.

فالهروب من مناطق التنظيم كان محفوفاً بالمخاطرة، وخاصةً إذا ما تم اكتشاف قوافل الهاربين من قبل التنظيم، فلا علم لأحد حينذاك هل تكون نهاية طريقهم الموت أو الحياة! إلا أن وحشية التنظيم جعلت من سلوك هذا الطريق حتمية لا بد منها.

وهنا لابد من الوقوف للسؤال: أليس من حق الشعب أن يتوحد الجميع لاتخاذ موقف أخلاقي اتجاه مصالحه المحقة، وتوقه إلى حل الأزمة حلاً شاملاً، ومحاربة سماسرة الحرب، الذين استنزفوه عن آخره.

معلومات إضافية

العدد رقم:
800