حفاظٌ على سمعة الطبيب أم شيءٌ أخر؟
رند الحسين رند الحسين

حفاظٌ على سمعة الطبيب أم شيءٌ أخر؟

أصدرت وزارة العدل في 16 من الشهر الحالي تعميماً ينصّ على عدم اتخاذ أي إجراء بحقّ أي طبيب ومنها توقيفه، إلا بعد الاستعانة بخبرة طبية جماعية اختصاصية لتحديد سبب الوفاة أو الإيذاء المنسوب إلى الطبيب في معرض قيامه بعمله ليصار على ضوء الخبرة اتخاذ الإجراء القانوني المناسب.

وكان التعميم قد أوضح أن اتخاذ هذه الإجراءات أتى من منطلق الحرص على سمعة الطبيب السامية وممارستها، وأن الهدف منه هو حماية الطبيب.

ردود وآراء

رغم أن التعميم يبدو جيداً ومنصفاً للأطباء نظرياً، إلّا أن ردود الأفعال عليه قد توضح نوعاً ما بعض هواجس المواطنين منه!
فنقابة الأطباء ستقف بموقع الخصم والحكم في آنٍ معاً، على اعتبار أن الخبرة الطبية الجماعية التي سيتم الاستعانة بها للبتّ في الشكاوى ستكون عبارة عن أطباء منتسبين للنقابة أيضاً!
إذ قال أحدهم: «راحت عالفقير... لأن اللجنة الطبية ما رح تطعن بالطبيب غالباً.. لأن كل طبيب رح يكون بلجنة من اللجان.. وكل طبيب ممكن يكون بموقع الشبهة والملاحقة بوقت من الأوقات».
مع عدم التعميم طبعاً، لكن هناك ما يثير الشكوك حول الثقة بتطبيق هذا التعميم بشكلٍ منصف حقاً، وخاصة بما يتعلق بمصلحة المواطنين، بعد ضمان سمعة ومصلحة الأطباء!
إضافة إلى ذلك فإنه ليس خفياً على أحد وجود بعض أوجه الفساد في القضاء، إذاً، وبالتالي ما الذي قد يمنع من دخول الفساد والوساطات والمحسوبيات على خط عمل اللجان المعنية بالتحقيق بالشكاوى أيضاً؟!
جملة تساؤلات مفتوحة لا بدّ من طرحها كهواجس مشروعة بالنسبة للمواطنين.

الأداء الطبي المنخفض يقود إلى الأخطاء الطبية

لعل صدور التعميم أعلاه يأتي بعد الكشف عن عدد لا بأس به من الأخطاء الطبية، إذ انتشرت على وسائل الإعلام مؤخراً حادثة وفاة فتاة في السابع عشرة من عمرها في محافظة اللاذقية، وذلك بعد دخولها لإجراء عملية الزائدة الدودية-والتي تعتبر من العمليات السهلة نسبياً- دون الإفصاح عن اسم الطبيب المشرف، وبحسب الخبر فإن التحقيقات ما زالت جارية.
وكذلك جرى تداول خبر عن خطأ طبي عمره أكثر من عشرة أعوام، حيث تم العثور على مقص جراحي في بطن إحدى المريضات جراء عملية جراحية قديمة، وقد استمرت معاناتها بنتيجة ذلك طيلة هذه السنوات دون علم منها عن السبب!
هذه بعض الحوادث من بين عشرات الحوادث التي تحصل فيها أخطاء طبية، ورغم أن الأعداد المسجلة قليلة جداً- إذ كشف الدكتور عماد سعادة نقيب أطباء دمشق تسجيل حوالي 38 شكوى وردت إلى النقابة خلال العام الماضي، ثبت منها تسجيل 3 حالات خطأ طبي- إلا أن الأعداد المسجلة قد لا تكشف حقيقةً عن واقع الحال.
يقول أحد الأطباء لقاسيون: يجري في كثير من الأحيان أن تقدّم شكوى ضد طبيب ما، ولكن تتم «لفلفة» القصة عبر رشوة المشتكين، أو رشوة اللجان المحققة في الموضوع.
ويعود سبب حدوث أخطاء طبية إلى العديد من الأسباب، أهمها تراجع القطاع الصحي عموماً، بما في ذلك هجرة الغالبية العظمى من الأطباء، وتراجع مستوى التعليم الطبي للخريجين الجدد، ونقص المتابعة العلمية لآخر المستجدات الطبية، إضافةً إلى ساعات العمل الطويلة التي تجهد الطبيب، كذلك نقص المعدّات الطبية اللازمة وقلّة العقامة.

واقع طبي سيء دون حلول جذرية

تأتي الأخطاء الطبية نتاج واقع طبي متدهور يزداد يوماً بعد يوم، وكلّ الحلول المطروحة من قبل الحكومة، ورغم أن بعضها إيجابي إذا طبّق بشكلٍ جيد، إلا أن معظم هذه الحلول ترقيعية ولا ترقى لحجم الكارثة، ابتداءً من هجرة الأطباء وغلاء أسعار المعاينات والأدوية ونقص المعدات، وليس انتهاءً بالأخطاء الطبية وضعف الأداء الطبي عموماً.
وكل ما سبق مع استمراره وتراكمه قد يقودنا إلى وضعٍ كارثي لا تحمد عقباه ما لم يتم علاج الأمر بحلول جذرية حقيقية تعيد ثقة الناس بالقطاع الصحي وبالقرارات المتخذة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1075