كيف يرى ماركسيو الصين (معجزتهم)؟!

كيف يرى ماركسيو الصين (معجزتهم)؟!

يعتبر الاقتصاديون الصينيون بأن مرحلةً جديدةً في إدارة الاقتصاد الصيني بدأت بعد الأزمة المالية العالمية، وبعد عام 2013 تحديداً، فكيف يلخص الاقتصاديون الماركسيون مبادئ نموذجهم الاشتراكي الخاص لما يسمونه: الاقتصاد السياسي الصيني الراهن.. أو الاشتراكية في مراحلها المبكرة؟!

ترجمة قاسيون

تنشر قاسيون جزءاً من مقال منشور في مجلة Monthly Review مترجماً عن الصينية، للباحث الصيني cheng enfu المدير العام للجميعة الدولية للاقتصاد السياسي، ونائب إدارة مركز الاقتصادي السياسي الاشتراكي في جامعة شنغهاي، لعلوم الاقتصاد والمال.

نُشر المقالُ الأصلي بعنوان: (المبادئ الثمانية للاقتصاد السياسي الصيني الراهن)، حيث نحاول فيما يلي استعراض المبادئ الأربعة الأولى، بترتيبها المقصود، مع بعض من الشرح المستوفى في المقال الأصلي:
أي نوع من النظرية الاقتصادية، والاستراتيجيات، يكمن خلف (المعجزة الاقتصادية الصينية) التي يعيدها البعض إلى الانفتاح النيوليبرالي، وآخرون إلى نوع من الكنزية. وفي تضاد مع هذه الرؤى، فإننا نرى: أن الإنجازات تعود إلى نظرية الاقتصاد السياسي المنبثق من تجربة الصين نفسها، بينما المشاكل الكبرى التي رافقت التنمية الصينية، فإنها تعكس الأثر المدمر للنيوليبرالية الغربية في الصين. وقد طُرح في الصين، وتحديداً مع مرحلة شي جي بينغ، الضرورة الملحة لتطوير الاقتصاد السياسي الماركسي للقرن الحادي والعشرين، المستند إلى حاجات وموارد الصين. وهذه المبادئ الثمانية التي نقدمها، تلخص ما تم تبنيه في مؤتمر حول الاقتصاد الصيني، للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني المنعقد في 12-2015.

الاستمرارية القائمة على العلوم والتكنولوجيا
القوى المنتجة، هي التي تحدد علاقات الإنتاج، وكلا الجانبين يرتبطان ديالكتيكياً مع البنية الفوقية الأيديولوجية والقانونية، والمؤسسات السياسية. وما ينجم عنه، من أن القوى المنتجة هي العنصر الأكثر ثورية وحركة، وتحديداً القوى البشرية من ضمنها، التي تقوم بشكل دائم بتطوير التكنولوجيا، ونظريات التنظيم والإدارة.
فإن التركيز في الاقتصاد الصيني يجب أن ينصَبّ على العناصر الأساسية: قوى العمل، أدوات ومعدات العمل، ومواضيع العمل، ومنها تشتق عناصر ثلاثة محددة أكثر، وهي: العلوم والتكنولوجيا، الإدارة، والتعليم. ومن ضمنها، فإن العلوم والتكنولوجيا، هي العنصر الأثقل الذي يقود التغيير الذي يؤدي إلى تطورات في الإنتاج.
ومن هنا يأتي المبدأ الأول بقيادة العلوم والتكنولوجيا للاستمرارية، وبشكل أدق استمرارية تطور القوى المنتجة، لأنها العامل الذي يؤدي إلى تحرير وتطوير القوى المنتجة، الأمر الذي يعتبر المهمة الأكبر للاشتراكية في مراحلها الأولى، التي يتطلب تحقيقها مستوى محدداً من قاعدة تطور المواد والتكنولوجيا.
يركز هذا المبدأ على أن النمو السكاني، استثمار وتموضع الموارد، والبيئة، وهي عناصر ثلاثة يجب أن تكون داعمةً ومكملةً لبعضها البعض بشكل واع. ويعتبر النموذج الصيني، أن شعار: (الابتكار) هو العنصر الشامل الذي يفترض أن يدمج ويكمل هذه العناصر.
حيث يأتي التركيز على (الابتكار)، ليس ليدمج فقط هذه العناصر، ويسمح بقيادة العلوم والتكنولوجيا للنمو، بل ليخرج الاقتصاد الصيني من (عنق الزجاجة). حيث إن الاقتصاد الصيني وفي مرحلة تسارع نموه بين 1998 وحتى 2003 على سبيل المثال، اعتمد في إنتاجه التكنولوجي المتطور بشكل كبير على المواد المستوردة، بل وكان مُداراً بشكل كبير من قبل الشركات الأجنبية والمستثمرين، فعلى سبيل المثال: في عام 2003، كانت الشركات الصينية المعتمدة على الاستثمار الأجنبي، قد شكلت حوالي 90% من صادرات البلاد، من الكمبيوترات، والقطع التبديلية، ونسبة 75% من صادرات الإلكترونيات عموماً ومعدات الاتصال.
وتعتبر عملية تبني (الابتكار) المحلي، مرتبطة بعملية التنظيم إلى حد بعيد، حيث يفترض أن نتخلى عن الأفكار القديمة التي سادت في الصين من نوع: (الإنتاج ليس أفضل من شراء البضائع، وشراؤها ليس أفضل من استئجارها) وعوضاً عن هذا يجب الانتقال إلى الابتكار المحلي، وتوطينه.
نظام ثلاثي من الحكومة والسوق، والتكنولوجيا، عليه أن يرتبط بالضرورة بالانتقال من (العفوية) إلى (التحكم). وفي هذا الانتقال فإن العنصر المحدد، هو: العلوم والتكنولوجيا، التي من المفترض أن تصل إلى أعلى مستوياتها، وفي المدى الإستراتيجي يجب أن تدرك أهميتها القصوى في قيادة عملية توزيع الموارد.

 توجيه الإنتاج  لتطوير مستوى المعيشة والاستهلاك المحلي
واحد من أهم محددات نظرية الاقتصاد السياسي وفق النموذج الصيني، هي: البحث في الوظيفة النهائية للإنتاج. حيث في الرأسمالية هدف الإنتاج الرأسمالي، هو: تراكم المزيد من القيمة الزائدة، أو الأرباح الخاصة للحد الأقصى. وإنتاج القيم الاستعمالية والمنتجات المتنوعة، هدفه زيادة القيمة الزائدة، والربح الخاص. بينما الهدف المباشر للإنتاج في الاشتراكية، هو ملاقاة الحاجات المادية والثقافية للناس. حيث إنتاج القيمة الزائدة، على مستوى المجتمع، يخدم القيم الاستعمالية التي يحتاجها المجتمع، وليس العكس.
وعليه: فإن الإنتاج عليه أن يخدم رفع المستوى المعيشي وملاقاة حاجات السكان. وحل التناقض الناشئ في المراحل الأولى من الاشتراكية، بين حاجات الناس المتزايدة، وبين البنية الإنتاجية المتخلفة عن الحاجات. وإذا ما كان تطوير القوى المنتجة، عبر الابتكار هو الرافعة الأساسية، فإن نقطة البداية والنهاية للعملية الإنتاجية، هي تطوير مستوى المعيشة العام، عبر ملاقاة سبع نقاط محددة: توزيع الثروة والدخل، التخلص من الفقر، التوظيف، السكن، التعليم، الرعاية الطبية، والرعاية الاجتماعية.
في مواجهة تحدي رفع مستوى المعيشة لسكان الصين حوالي 1,4 مليار، علينا أن نضع مهاماً ملموسةً ومحددةً، لتجعل القوى العاملة عموماً قادرة على مواجهة صعوبات حياتها اليومية، وتطوير قدراتها، وذلك عبر توسيع القاعدة المؤسساتية، للمجتمع الأهلي، وهو أمر يتطلب أن يؤمن القطاع العام شبكة الحماية والخدمات الكبرى الضرورية.

أولوية الملكية العامة في حقوق الملكية الوطنية

في الاقتصاد السياسي الراهن للصين، يتقدم مفهوم حقوق الملكية، ليعبر عن أشكال ملكية الموارد في الاقتصاد الصيني، حيث الدور المهيمن للملكية العامة للثروة.  في ظل المرحلة الأول من الاقتصاد الاشتراكي، يتوسع الدور المهيمن للملكية العامة، متجاوراً مع أشكال الملكية الخاصة الأخرى المتنوعة.
في الوقت الحالي، نركز على الفكرة التي تقول: أن ملكية الدولة، تقوم بالدور المؤسس للاقتصاد الاشتراكي، أما الأشكال الأخرى للملكية، فهي لا تهدف إلى تقويض هذه الملكية العامة، بل إلى زيادة قوتها. وعلينا أن نتعلم من أخطاء الماضي، عندما سمح تراجع دور الشركات المملوكة للدولة، لاستحواذ نخبة قليلة على ثروات هائلة، عبر تفتيت الثروات العامة المركزة. يضاف إلى هذا أنه لا بد من تعزيز الشكل المختلط للملكية العامة والخاصة، أي الشكل الجماعي والتعاوني في الريف الصيني، الذي يحتاج إلى مزيد من التدفق الاستثماري. المنشآت الخاصة يجب أن يتم ضبطها والتحكم بها سواء في الداخل، أو في الخارج، وليس مساعدتها فقط. وهذه العملية تهدف إلى تثقيل منافعها، وتقليص آثارها السلبية.
كما تسعى الصين إلى الوصول لتعديلات في الشركات الخاصة، بما يسمح للعمال بالحصول على حصص مساهمة من رأس المال،  لتتحول العوائد وآلية العمل إلى آلية تعاونية مع الوقت.

أولوية العمل في توزيع الثروة
توزيع الثروة في الصين، يفترض أن ينطلق من حاجات عمالها، وليس رأس مالها، وعليه يفترض أن تردم الفجوة الكبرى في الدخل. وأن يزداد دخل عموم الصينيين، مترافقاً مع زيادة إنتاجية العمل. حيث من الضروري الوصول إلى آلية منطقية وعلمية لتحديد مستويات الأجر، وتحديد مستويات وآليات رفعه.
من المفترض أن تتوزع بعدالة منافع النمو الصيني، ليصبح للناس ارتباط عميق بعملية التنمية الاقتصادية، لتتحول إلى هدف بالنسبة لهم، وتزيد من وحدتهم، وتدفع قدماً نحو الرخاء الاجتماعي. وهذا لا يمكن أن يتم إلا بإعادة توزيع الموارد.
حيث إن توزيع الثروة في الصين، يعاني من خلل كبير، فقد شهدنا بين العام 1990 وعام 2007 تراجعاً في حصة الأجور من الناتج من 53% وصولاً إلى 42%. كما تزايد جيش العاطلين عن العمل، وتوسعت عمليات خصخصة ملكيات الدولة وشركاتها، وهذا كله الناجم عن مرحلة النيوليبرالية، لقد أضعف قوة ووحدة الطبقة العاملة في الصين. حيث إنَّ سوء التوزيع في الدخل والثروة في الصين اليوم، يقارب مستويات الولايات المتحدة الأميركية. حيث إن 1% من أثرياء الصين يملكون ثلث ما تملكه العائلات الصينية من ممتلكات.
على الصين ألّا تركز على المفهوم القائم على انخفاض تكاليف العمالة بعد الآن، وأن تتجنب الدعوات إلى تخفيض تكلفة وحدة العمل، لأن السّر هو في رفع كفاءة، وعائدية رأس المال، وعندها يصبح تأثير زيادة الأجورهامشياً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
795