عليكم أن تتخلوا عن مهارتكم حتى تكونوا «عادلين»!
مايكل روبرتس مايكل روبرتس

عليكم أن تتخلوا عن مهارتكم حتى تكونوا «عادلين»!

إن الهراء الأخير الذي أصدرته وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين بشأن «القدرة الزائدة overcapacity» و«الإعانات غير العادلة» التي تقدمها الصين لصناعاتها، مثير للشفقة بشكل شديد. وعلى حد تعبير رينو برتراند: إنّ ما يسمى التهديد المتمثّل في القدرة الصناعية الزائدة لدى الصين هو عبارة عن كلمة طنانة تعني في الواقع أن الصين ببساطة تتمتع بقدرة تنافسية مفرطة. ومن خلال مطالبتها بمعالجة هذه المشكلة، فإن ما تطالب به يلين من الصين، حقاً يشبه أن يطلب أحد زملاء العدّاء بولت منه أن يركض بسرعة أقل لأنه لا يستطيع اللحاق به!

ترجمة: قاسيون

وفي الواقع، يمكننا الرد على مزاعم يلين حول «القدرة الزائدة». لنبدأ بمعدّلات استخدام القدرات. من الواضح تماماً أنها كانت ثابتة إلى حدّ كبير في الصين على مدار السنوات العشر الماضية، حيث تبلغ حوالي 76% في الوقت الحالي، وهو النطاق ذاته الذي تبلغ فيه معدلات الاستخدام في أمريكا حوالي 78%. لذا لا مشكلة هناك.
على الرغم من الأسعار المنخفضة جداً للسيارات الكهربائية أو الألواح الشمسية، لا تزال الشركات الصينية المشاركة تحقق أرباحاً، وتفرض أسعاراً أعلى في الخارج مما في الداخل. إن القدرة التنافسية التي تتمتع بها الشركات الصينية ساحقة: فاليوم، في عشرات الصناعات لا توجد ببساطة وسيلة للشركات الأمريكية أو الأوروبية للتنافس مع الشركات الصينية. هذه هي القضية الحقيقية: يلين والزعماء الغربيون يخشون أنه إذا استمرت الأمور على ما يرام، فإن الصين ستأكل ببساطة حصّة الجميع.
الصين هي الدولة الوحيدة في العالم التي تنتج جميع فئات البضائع المصنفة من قبل «منظمة الجمارك العالمية WCO». وهذا يمنحها ميزة رئيسية عندما يتعلق الأمر بالأسعار النهائية: عندما تريد بناء شيء ما في الصين، يمكنك فعلياً العثور على سلسلة التوريد بأكملها داخل الصين. لقد أصبحت الصين قوة ابتكارية. وفي عام 2023، قدمت ما يقرب من عدد براءات الاختراع التي قدمتها بقية دول العالم مجتمعة، ويقدّر الآن أنّها تقود 37 من أصل 44 تقنية مهمة للمستقبل. كل هذا أيضاً له آثار عندما يتعلق الأمر بالأسعار النهائية لمنتجاتها.
كان زعماء أوروبا يرددون مزاعم يلين. بعد زيارتها إلى بكين قبل عدّة أشهر، أشارت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى أنّ العجز التجاري للاتحاد الأوروبي مع الصين ارتفع إلى 400 مليار يورو، من 40 مليار يورو قبل 20 عاماً. حيث سلطت الضوء على سلسلة من الشكاوى، بما في ذلك «القدرة الصناعية الزائدة» للصين. وقالت: إنّ «الزعماء الأوروبيين لن يكونوا قادرين على التسامح مع تقويض قاعدتنا الصناعية بسبب المنافسة غير العادلة».
لكن دعونا نصحح هذا الأمر: لقد ارتفع العجز التجاري للاتحاد الأوروبي مع الصين من 40 مليار دولار إلى 400 مليار دولار خلال عشرين عاماً! ليس سنتين، ولا خمس سنوات، ولا عشر سنوات، بل طوال هذا القرن. أولاً: هذا يجعل الارتفاع في العجز الذي ليس كبيراً جداً سنوياً: حوالي 10 إلى 15 مليار دولار. طوال تلك الفترة، لم نسمع سوى القليل من الشكوى من الاتحاد الأوروبي بأن الصين كانت تتبنى ممارسات تجارية غير عادلة. وفجأة، بعد كارثة ارتفاع تكاليف الطاقة بسبب قطع واردات الطاقة الروسية والركود الفعلي الذي دام عامين في دول الاتحاد الأوروبي الكبرى، تلوم فون دير لاين الصين. أمّا بالنسبة للولايات المتحدة، فإنّ العجز التجاري الثنائي بين الولايات المتحدة والصين، نسبة إلى حجم الاقتصاد الأميركي، هو الأدنى منذ عام 2002. إنه وقت غريب إذن للشكوى بصوت عالٍ بشأن الخلل التجاري.

الاستيعاب من قبل بقيّة العالم

مع ذلك فإن الخبراء الكينزيين يروجون ويرددون رسالة يلين. فيما يلي اقتباس من مصدر إعلامي غربي: «على خلفية القلق الدولي المتزايد، يعتقد الخبراء أنّ استراتيجية التصنيع لن تحقق أهداف النمو في بكين. وتشكل الصادرات بالفعل خُمس الناتج المحلي الإجمالي، وتبلغ حصة الصين في التصنيع العالمي 31٪. وفي غياب انفجار في الطلب، فإنهم يقولون: إنه من غير المرجح أن تتمكن بقية دول العالم من استيعاب صادرات الصين دون تقليص صناعاتها التحويلية».

من هم هؤلاء الخبراء العظماء؟ المشتبه بهم المعتادين

يقول مايكل بيتيس: إنّه إذا واصلت الصين التوسّع في صادراتها الصناعية، فسيتعين عليها السعي «لاستيعابها من قبل بقية العالم». ومن غير المرجح أن يقبل بقية العالم بذلك... حقاً، يبدو أن الصين ليست لديها مشكلة في بيع صادراتها لبقية المستهلكين والمصنعين في العالم، الذين يتوقون إلى الشراء.
خبير آخر هو براد سيتسر. يخبرنا سيتسر أن «سوق السيارات الكهربائية المحلية في الصين تم إنشاؤها من خلال السياسة الصناعية، ولم تظهر من فراغ. إنها نقطة حرجة، وغالباً ما يتم نسيانها الآن. وينطبق الشيء نفسه على القارئات الحاسوبية عالية السرعة وطاقة الرياح، وتحاول الصين في قطاعات أخرى أيضاً. الصدمة والرعب تتجليان في أن ذلك لم يتحقق من خلال قوى السوق، بل من خلال الاستثمار الذي تقوده الدولة». ويواصل قائلا: «إن حقيقة أن العديد من قصص نجاح الصادرات الصينية لم تنشأ الآن عن سحر السوق لا شك أنها تؤدي إلى تعقيد التجارة العالمية، حيث أن التكيف لاستيعاب نجاحات الصين لا يبدو وكأنه تعديل حقيقي للسوق».
وبعبارة أخرى، لا تستطيع الولايات المتحدة وأوروبا واليابان التنافس. اذا ما العمل؟ يقول سيتسر: «أعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن تبذل جهداً حقيقياً لتعويض «الإكراه» الاقتصادي الذي تمارسه الصين هنا. سيتطلب الأمر بعض التضحية، لكنني على الأقل على استعداد للتقدم». لذا فإن المنافسة تسمى الآن «الإكراه»، ويتعين على الولايات المتحدة أن تستجيب بالإكراه ذاته، مع استعداد سيتسر لمساعدة يلين في تحقيق ذلك.
يمكن العثور على تبريرات هذا الهراء في وجهة النظر الغربية السائدة، التي ترى أن الصين عالقة في نموذج قديم من تصنيع الصادرات الذي يقوده الاستثمار، وتحتاج إلى «إعادة التوازن» نحو اقتصاد محلي يقوده المستهلك، حيث يتمتع القطاع الخاص بحرية التصرف. إن القطاع الاستهلاكي الضعيف في الصين يجبرها على محاولة تصدير التصنيع «بقدرة تفوق طاقتها».
لكن الدليل على ذلك غير موجود. وفقاً لدراسة حديثة أجراها ريتشارد بالدوين، فقد وجد أن النموذج القائم على التصدير ظل قائماً حتى عام 2006، ولكن منذ ذلك الحين ازدهرت المبيعات المحلية في الصين، حتى أنّ نسبة الصادرات إلى الناتج المحلي الإجمالي انخفضت فعلياً. «لقد نما الاستهلاك الصيني للسلع المصنعة الصينية بشكل أسرع من الإنتاج الصيني منذ ما يقرب من عقدين من الزمن. وبعيداً عن عدم القدرة على استيعاب الإنتاج، فقد نما الاستهلاك المحلي الصيني للسلع المصنوعة في الصين بشكل أسرع بكثير من إنتاج قطاع التصنيع في الصين».
لا تزال شركات التصنيع الصينية تتمتع بقدرة تنافسية عالية في الأسواق العالمية، على الرغم من كل الجهود التي يبذلها الغرب لفرض الرسوم الجمركية وغيرها من التدابير الحمائية. وتُبلي الصين بلاءً حسناً بشكل خاص في إنتاج السيارات الكهربائية، والطاقة الشمسية، وغيرها من التكنولوجيات الخضراء. لكن كما يشير بالدوين، فإن هذا النجاح في مجال التصدير لا يعني أن الصين تعتمد على الصادرات لتحقيق النمو، فالصين تنمو بشكل رئيسي بسبب الإنتاج للاقتصاد المحلي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1170
آخر تعديل على الجمعة, 26 نيسان/أبريل 2024 22:10