مِن لينين إلى رفيقة... بشأن «الحبّ الحرّ»
فلاديمير لينين فلاديمير لينين

مِن لينين إلى رفيقة... بشأن «الحبّ الحرّ»

بعثَ لينين الرسالتين التاليتين (في 17 و24 كانون الثاني 1915) من سويسرا إلى المناضلة الشيوعية الروسية-الفرنسية إينيسا أرمان، القيادية بالحزب والحركة النسائية الأممية وثورتي 1905 و1917. المنشور الحزبي الذي كان يفترض أن تكتبه أرمان لم يظهر مطبوعاً. نشرت الرسالتان عام 1939 في العدد 13 من مجلة «البلشفيّ»، أيْ بعد وفاة لينين.

تعريب: ناجي النابلسي

الرسالة الأولى

صديقتي العزيزة! أنصحكِ بشدّة بكتابة خطّة المنشور بأكبر تفصيلٍ ممكن، وإلا فسيبقى الكثير من الغموض.
أحد الآراء التي عَليّ الإعرابُ عنها هنا والآن: أنصحك برمي الفقرة الثالثة كلّياً «المطالبة (للنساء) بالحب الحر». ذلك ليس مطلباً بروليتارياً في الحقيقة بل برجوازياً. ففي النهاية ما الذي تفهمينه من هذه العبارة؟ وما الذي يمكن أن يُفهَم منها؟
1- التحرّر من الحسابات المادية (المالية) في شؤون الحب؟ 2- بالمثل، التحرّر من مباعث القلق المادية؟ 3- التحرّر من الأحكام المسبقة الدينية؟ 4- التحرّر من المحظورات الأبوية وما إلى ذلك؟ 5- التحرّر من تحيّزات «المجتمع»؟ 6- التحرّر من ضيق أفق البيئة المحيطة (الفلاحيّة أو البرجوازيّة الصغيرة أو الثقافيّة البرجوازيّة)؟ 7- التحرّر من قيود القانون والمحاكم والبوليس؟ 8- التحرر من عنصر الجدّية في الحبّ؟ 9- التحرّر من إنجاب الأطفال؟ 10- التحرّر من الدعارة؟ إلخ.
ذكرتُ عدداً من أطياف المسألة (لا جميعها بالطبع). لا شكّ بأنّ ما يدور في خَلَدِكِ لا يتعلّق بالنقاط من 8 إلى 10 بل من 1 إلى 7 أو ما يشبهها. فإذا كان الأمر كذلك، عليكِ اختيار صياغة مختلفة للنقاط من 1 إلى 7، لأنّ حرّية الحبّ لا تعبّر عن هذه الفكرة بدقّة. ومن «حرّية الحبّ» عموماً، سيَفهم العامّة، قرّاء المنشور، شيئاً شبيهاً بالنقاط من 8 إلى 10، حتّى لو أبيتِ ذلك.
وبالضبط لأنّ الطبقات (العليا البارزة) الأكثر ثرثرةً وصخباً في المجتمع المعاصر تَفهم من «حرّية الحب» النقاطَ من 8 إلى 10، لهذا السبب بالذات هذا ليس بمطلبٍ بروليتاريّ بل إنّه مطلبٌ برجوازيّ. الأهمّ بالنسبة للبروليتاريا هما النقطتان 1و2 ثمّ 1 إلى 7، وهذه في الحقيقة ليست «حرّية حبّ».
الأمر لا يتعلّق بما (تقصدينه) ذاتياً بهذا التعبير، بل بالمنطق الموضوعي للعلاقات الطبقية في شؤون الحبّ.
أصافحكِ بمودّة الصّديق! [التوقيع] و. إ.

الرسالة الثانية

صديقتي العزيزة! أعتذر عن تأخّري في الردّ: أردت الردّ البارحة، لكن لم يتسنَّ لي الوقت لأجلس وأكتب.
فيما يتعلّق بخطّتك للمنشور، كان رأيي أنّ (مطلب حرية الحب) كان غامضاً - بمعزل عما تريدينه أو تتمنّينه (وشدّدت على هذا عندما قلتُ إنّ المهمّ هو العلاقات الطبقية الموضوعية وليس أمانيك الذاتية) - ومن شأنه في الظروف الاجتماعية الراهنة أن يكون مطلباً برجوازياً لا بروليتاريّاً. أنت غير موافقة. حسنٌ جداً. فنلقِ نظرةً على الأمر مجدَّداً.
لتحويل الغامض إلى جَليّ، عدَّدتُ تقريباً عشرة تأويلاتٍ مختلفة ممكنة، ونوّهتُ إلى أنّ 1 إلى 7 ستكون، في رأيي، نموذجيةً أو واسِمةً للنساء العاملات، و8 إلى 10 للنساء البرجوازيات.
إذا أردتِ دحض ذلك، يتوجّب عليك أن تبيّني: 1- أنّ هذه التأويلات خاطئة (تستبدلي بها غيرها عندئذٍ، أو تشيري أيٌّ منها الخطأ) أو 2- ناقصة (وعندها عليك إكمالها)، أو 3- لا تنقسم إلى بروليتاريّة وبرجوازيّة بتلك الطريقة.
إنك لم تفعلي هذا ولا ذاك ولا ثالثَهما. أنتِ لم تَقرَبي النقاط من 1 إلى 7 على الإطلاق، فهل هذا يعني اعترافكِ بأنّها صحيحةٌ (إجمالاً)؟ (ما تكتبينه عن الدَّعارة لدى النساء العاملات وتَبعيّتهن: «من المستحيل قولُ لا»، يندرج بالكامل تحت النقاط 1 إلى 7. ولا يمكن اكتشافُ أيِّ اختلافٍ بيننا على الإطلاق حيال ذلك). كما أنكِ لا تنكرين أنّ هذا تأويلٌ بروليتاريّ.
تبقى النقاط 8 إلى 10، التي قلتِ عنها «لا أفهمها تماماً» و«أعترض» عليها: «أنا لا أفهم كيف يمكن مطابقة حرّية الحبّ مع» النقطة 10... (هذا ما كتبتِه أنتِ!).
إذاً، يبدو أنني أنا «أطابق»، بينما أخذتِ على عاتقكِ دحضي وتدميري؟ كيف ذلك؟ إنّ النساء البرجوازيّات يَفهمن من حرّية الحبّ النقاطَ 8 إلى 10 - هذه أطروحتي. هل تنكرين هذا؟ هلّا قلتِ ما الذي تَفهمُه السيّداتُ البرجوازيّات من حرّية الحبّ؟ إنك لا تقولين ذلك. أفلا يبرهنُ الأدبُ المكتوبُ والحياةُ أنّ هذا بالضبط ما تَفهمُه منه النساء البرجوازيّات؟ إنّهما يبرهنان على ذلك تماماً! وأنتِ تعترفين بذلك ضمنيّاً.
وإذا كان الحال كذلك، فالأمر يكمن في موقفهنّ الطبقيّ، ومن الصعوبة بمكان ومن السذاجة تقريباً «دحضهنّ». ما يجب عليكِ فعلُه هو الانفصال بوضوح عنهنّ، وإبرازُ وجهة النظر البروليتاريّة اختلافاً عنهنّ.
يجب على المرء أن يأخذ بالحسبان الواقعةَ الموضوعية بأنّه إنْ لم يُفعَل ذلك فسوف يَقُمنَ بانتزاع المقاطع الملائمة لهنّ من منشورِكِ، وتأويلها على هواهنّ، وتحويل منشوركِ إلى مياهٍ تصبّ في طاحونتهنّ، وتشويه أفكاركِ في عيون العمّال، و«تشويش» العمّال (مما يزرع في عقولهم الخوفَ من أنّكِ ربّما تجلبين إليهم أفكاراً غريبة). وثمّة تحت تصرّفهنّ الكثيرُ من الصّحف وما إلى ذلك.
وبينما تنسين تماماً وجهة النظر الموضوعية والطبقية، تتجاوزين ذلك إلى «الهجوم» ضدّي، كما لو أنني أنا «أطابقُ» حرّية الحبّ مع النقاط 8 إلى 10... لَعمري إنّ هذا عجيب، حقّاً عجيب...
«حتّى عاطفةٌ وحميميّةٌ عابرةٌ» هي «أكثر شاعريّةً ونقاءً» من «قُبلاتٍ بلا حبّ» بين زَوجَين (مبتَذلَين وسطحيَّين). هذا ما تكتبينَهُ أنتِ. وهذا ما تنوين كتابته في منشورِكِ. حسنٌ جدّاً. هل المقارنة منطقيّة؟ القبلاتُ بلا حبّ بين قَرينَين مُبتَذَلَين قذرةٌ. أنا موافق. ولكن ما الذي يجب وضعُهُ في مواجهتها؟ يمكن التفكير بـ: قبلاتٍ مع حبّ؟
أمّا أنتِ فقد قارنتِها بـ«عاطفة» (لماذا لم تقارنيها بـ حبّ؟) «عابرة» (ولِمَ عابرة؟) - إذاً، منطقيّاً، يتبيّن أنّ قبلاتٍ بلا حبّ (عابرة) تجري مقارنتها بقبلاتٍ بلا حبٍّ بين متزوّجين... يا للغرابة.
بالنسبة لمنشورٍ شعبيّ، ألا يكون أفضلَ لو نقارِنُ زواجاً مُبتَذَلاً قذراً، وغشيماً-مُتثاقِفاً-فلّاحيّاً (وأعتقد أن هذه متضمّنة في نقطتي السادسة أو الخامسة) - أليس حريّاً مقارنة ذلك بزواجٍ مدنيٍّ بروليتاريّ مع حبّ (ونضيف، إذا أصرَرْتِ بالمطلق، أنّ الحميميّة والعاطفة العابرة أيضاً يمكن أن تكون قذرةً ويمكن أن تكون نقيّةً).
إنّ ما توصّلتِ إليه ليسَ المقارنةَ بين نمطَين طبقيَّين، بل شيئاً أشبه بـ«حادثة»، والتي هي ممكنةٌ طبعاً. ولكن هل تكمن القضية في حوادث خاصّة؟ إذا أخذتِ موضوعةَ الحادثة، حالةً فرديّةً لقبلاتٍ قذرة في زواجٍ وقبلاتٍ نقيّةٍ في حميميّةٍ عابرة، إنّ هذه موضوعةٌ يُشتَغَلُ بها في رواية (فهناك يكون الجوهرُ برمّته كامناً في مُلابساتٍ فرديّة، وتحليلٍ للشخصيات، وسيكولوجيّة أنماطٍ خاصّة). ولكن ليس في منشور؟
إنّكِ تفهمين جيداً فكرتي بشأن الاقتباس غير المناسب من كي - [إيلين كي كاتبة سويدية تربويّة متأثرة بالغيبيّة والفردانيّة] - عندما قلتِ إنّ من «الحماقة» الظهور في دور «بروفيسورات في الحبّ». تماماً. حسنٌ، ولكن ماذا عن دور بروفيسورات فيما هو عابِرٌ وما إلى ذلك؟
حقاً إنني لا أريد الانخراط في مشاحناتٍ مطلَقاً. ولسوف أرمي جانباً هذه الرسالة عن طيب خاطر وأُرجِئُ المسائل إلى حين نستطيع الحديث بشأنها. ولكنّني أريد للمنشور أن يكون جيّداً، بحيث لا يتمكّن أحدٌ من أن يجتزئ منهُ عباراتٍ تسبّبُ لكِ الإزعاج (أحياناً تكفي عبارةٌ واحدة لتكون مِلعقةَ القطران في برميل العسل) فلا يتمكّن أحد من إساءة تأويل كلامك. وأنا متأكد أنكِ هنا أيضاً كتبتِ «بلا رغبة»، والسبب الوحيد في إرسالي هذه الرسالة لكِ هو أنكّ لعلّك تتفحصين الخطّة بتفصيلٍ أكبر كنتيجةٍ للرسائل بدل أن تكون نتيجةً لمحادثة - والخطّة، كما تعلمين، شيءٌ في غاية الأهميّة.
أليس لديكِ صديقةٌ اشتراكيّةٌ فرنسيّة ما؟ ترجمي لها نقاطيَ 1 إلى 10 (كما لو كانت من الإنكليزية)، جنباً إلى جنب مع ملاحظاتكِ بشأن «العابرة» وما إلى ذلك... وراقبيها، استمعي إليها بأشدّ انتباهٍ ممكن: تجربةٌ صغيرة لما يمكن لأناسٍ في الخارج أن يقولوه، وماذا ستكون انطباعاتهم، وما الذي يتوقّعونه من المنشور.
أصافحك باليدّ، متمنّياً أن تقلّ صداعاتك وتتحسّني في القريب العاجل. [التوقيع] ف. أو.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1165