التوحش ورمزية الخوف
إيمان الأحمد إيمان الأحمد

التوحش ورمزية الخوف

ليس غريباً أن «يتوحّش» المُحتل. فالاحتلال بحدّ ذاته فعل مُرعب، لأنه يرسم عقيدة نفسية وعسكريّة واهمة تقوم على فكرة أن المُحتل أحقّ بالأرضِ من أصحابها، وتؤكد النظرة الدونية للشعوب الأخرى وتستند إلى الوحشية المطلقة لتخفي شعوراً كامناً بالخوف والضعف، وكلما زاد خوف المحتل، زادت وحشيته وهمجيّته.

قامت دولة الاحتلال «الإسرائيلي» على مفهوم استيطانيّ متوحّش، امتدّ إلى أكثر من قرن واستمر حتى اللحظة، واعتمد على آلة حرب لا تقتلُ فحسب، بل تحرص على القتل بوحشيّة، تستنسخُ أفكار هوليود، وأفلامها المرعبة، وتقوم بجعلها حقيقة، تقتل آلةُ الحرب الأطفالَ والشيوخ والنّساء وفق إبادة جماعيّة أقل ما يمكن القول فيها إنها مُرعبة بشكل لا يوصف إذ تسعى إلى إبادة شعب كامل، وإلغاء حقه بالوجود!

مجرمو حرب!

ليس هذا فحسب، فقد امتدت الهمجية إلى أقصى حدودها، حيث يتلذذ جنود الاحتلال في غزة بتصوير جرائمهم، ويحرصون على عرض ومشاركة مقاطع فيديو وصور للانتهاكات التي يرتكبونها، فيديوهات مشينة صوروها بأنفسهم، يظهر فيها الجنود وهم يفتشون منازل الفلسطينيين، وجنديٌّ يستمتع بممتلكات أطفال غزة المهجورة، وآخر يستعرض ملابس داخلية للنساء مع تعليقات كريهة ومقرفة، ويدمرون دمىً بلاستيكية في متجر للألعاب، يرددون شعارات عنصرية تدعو إلى محو غزة! فهم يعتقدون أنه لم يعد هناك رجال أو نساء أو أطفال أمامهم، بل «أعداء» يجب قتلهم، «وأشياء» يجب أن تختفي. يشير الانغماس في هذه الأفعال إلى حالة من التجرد من الإنسانية، وهو أمر متغلغل في العقلية التي تحكمهم إلى درجة أنهم لا يعتقدون أنهم يرتكبون أي خطأ.

سلوك الهيمنة وممارساتها

ورغم استمرار الاحتلال وداعميه في التنظير لما يسمّى ديموقراطيّة وحضارة «إسرائيل» تبريراً لاحتلال الصهاينة لمنطقة الشّرق الأوسط التي طالما وصفوها «بالمتخلّفة»، لكن توحّشهم في غزة اليوم فضح مقولاتهم، وأظهر حقيقتهم وحقيقة البنية التي ينتمون إليها.
يعتبر السّلوك المُريع للكيان الصهيوني وممارساته امتداداً لسلوك النظام الغربي الاستعماري في العالم، وهو يتطابق مع ممارسات القوى الإمبريالية في كل عصر، إذ يسيرُ على خطا وحشيّة وإجرام النازية، والاحتلال الفرنسي للجزائر، والأمريكي لفيتنام والعراق وأفغانستان، وغيرها من الحروب الوحشيّة التي اعتمدت سياسة المجازر والإبادة والانتهاكات الإنسانية ضد الشّعوب المُستَعمَرة، كوسيلة للهيمنة عليها وإخضاعها.
تشكل عملية طوفان الأقصى وما تلاها من أحداث، قطيعة مع العالم الذي هي فيه، فهي لم تكتفِ بإظهار الحقائق، بل أعادت صياغة الواقع على نحو مختلف، واستطاعت تحدي قيود الاحتلال، وتحدي الخطاب الغربي الكاذب الذي ساد طويلاً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1165