الهروب إلى ترويج (الصغيرة والمتوسطة)
أديب خالد أديب خالد

الهروب إلى ترويج (الصغيرة والمتوسطة)

ما تزال الحكومة مصرة على البحث عن حلول اقتصادية في جعبة سياساتها المعروفة والمجربة، وهي تعمل جاهدة ومن خلال إصرارها على السير بهذه السياسات على تأمين انسحاب الدولة من كامل الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتخليها عن حل أبرز المشكلات الأساسية التي يعاني منها الاقتصاد، ومنها البطالة. وتحاول الترويج للمشروعات المتوسطة والصغيرة فقط وكأنها المفتاح السحري لعودة عجلة الإنتاج وتحسين مستوى المعيشة، مع استبعاد أي إمكانية لمؤسسات الدولة ومنشآتها أو للقطاع الخاص المنتج للاستثمار بالمشاريع الكبيرة التي تؤمن فرص عمل حقيقية وثابتة وترفع من معدلات الإنتاج. وعادة ما تروج الدول التي انتقلت من التخطيط المركزي إلى اقتصاد السوق لاعتماد هذه المشاريع كأساس اقتصادي للدولة.

اعتبر وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في حديث له للتلفزيون السوري أن جوهر مشكلة المشاريع الصغيرة هو إداري بحت!! وأنه يتمثل بتعدد جهات التخطيط والتنظيم والتنفيذ، وأنه يجب أن تكون هناك بنية تنظيمية واضحة للمشروعات الصغيرة. وأوضح أن المشروعات الصغيرة تؤثر بشكل مباشر بالمستوى المعاشي للشرائح التي تزاول هذه المشاريع، وأن سورية بيئة مناسبة لمثل هذه المشاريع وكأنه يوحي بأنها غير مناسبة للمشاريع الكبيرة! وأن قطاع المشروعات الصغيرة هو حامل رئيسي للاقتصاد السوري كغالبية دول العالم، وأنه مرتبط بدور اجتماعي مهم ويعول عليه الكثير. كما أشار إلى أن قطاع المشروعات يجب أن يتحلى بالديناميكية، والهدف الأساسي أن يكون هناك تمكين لهذا القطاع لكي يتطور وينمو فيؤدي إلى تطوير حجم المشروعات.
ولكن لم يشر سيادة الوزير إلى العقبات الأساسية التي تواجه جميع المشروعات الكبيرة منها والمتوسطة؛ وهي عدم وجود بنية تحتية مناسبة وانعدام الخدمات وتقطع أوصال البلاد وعدم توفر المواد الأولية واحتكار استيرادها من قبل البعض، وارتفاع أسعار حوامل الطاقة وعدم توفر أسواق لتصريف المنتجات بسبب ضعف القوة الشرائية في الداخل، وانخفاض معدلات الاستهلاك إلى أدنى مستوياته، وعدم قدرة المنتج المحلي على المنافسة الخارجية نظراً لارتفاع تكاليف الإنتاج.
كل هذه الأسباب التي جاءت نتيجة للسياسات الحكومية وعدم حمايتها للمنتج المحلي، وانفتاحها غير المدروس قبل الأزمة على دول ابتلعت السوق الداخلية وأدت إلى إفلاس آلاف الحرفيين السوريين، والمشهود لهم بخبرتهم الطويلة والممتازة في مختلف المجالات، وخسارة معظم المشاريع الزراعية نتيجة لرفع أسعار المحروقات والأسمدة بالتزامن مع مواسم الجفاف والصقيع التي تعرضت لها البلاد، مما أدى إلى هجرة الفلاحين لأراضيهم الزراعية نحو المدن نتيجة الجفاف والسياسات الاقتصادية الكارثية عليهم.
ومع ذلك لا تزال الحكومة تراهن وتسعى للتسويق والترويج لفكرة المشاريع المتوسطة والصغيرة من باب الهروب من حل المشكلات الكبرى التي يعاني منها الاقتصاد؛ ومنها البطالة حيث تبعد المسؤولية عن نفسها لحل هذه المشكلة المتفاقمة، ناهيك عن اتباعها سياسة تطفيش تجاه الحرفيين والتضييق عليهم ودفعهم نحو إغلاق منشآتهم وفرض شتى أنواع الضرائب عليهم، ودفعهم نحو الهجرة بدلاً من إعادة استقطابهم من خلال تأمين البيئة المناسبة لعودتهم إلى منشآتهم وقراهم وأراضيهم الزراعية، عبر إنهاء الأزمة السورية والتوجه للحل السياسي وتأمين عودة اللاجئين والبدء بكهربة البلاد، وبإعادة إعمار جدية وحقيقية تنطلق من ضرورات تأمين مصالح غالبية السوريين من عمال وفلاحين وحرفيين وصغار كسبة.
فليس هناك حل اقتصادي للأزمات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد منذ ما قبل الأزمة سوى بالتغيير الجذري والشامل الذي يؤمن حقوق الأغلبية المفقرة، فلا المشروعات الكبيرة ولا المتوسطة ولا الصغيرة قادرة على إعادة عجلة الإنتاج طالما بقيت الأزمة قائمة والبلاد مقسمة وقوى الفساد تسيطر على مقدراتها وثرواتها، حيث تشفط قوى الفساد الثروة وتراكمها وتعرقل أي حل اقتصادي أو سياسي من خلال سطوتها داخل وخارج جهاز الدولة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1165
آخر تعديل على الجمعة, 26 نيسان/أبريل 2024 23:38