إضرابات الطبقة العاملة خطوة ضرورية لتحررها
عادل ياسين عادل ياسين

إضرابات الطبقة العاملة خطوة ضرورية لتحررها

يقول إنجلس في مقدمة كتابه «حال الطبقة العاملة في إنكلترا»: (إن وضع الطبقة العاملة هو القاعدة الحقيقية ونقطة التحول لكل الحركات الاجتماعية في الحاضر لأنها الذروة العليا والأكثر إفصاحاً عن البؤس الاجتماعي الموجود في عصرنا).

إن الواقع الذي تعيشه الطبقة العاملة في المراكز الإمبريالية وكذلك في الأطراف يؤكد تلك الحقيقة التي أتت في مقدمة الكتاب والتي هي خلاصة المعايشة المباشرة التي قام بها إنجلس عن واقع وحال الطبقة العاملة، حيث ما يجري الآن من معارك حقيقية بين العمال والحكومات يعكس عمق الأزمة التي وصلت إليها الرأسمالية ويؤكد أيضاً أن كنس الرأسمالية والإطاحة بها يأتي عبر الصراع معها بكل الأشكال السياسية والإضرابات.
ما يجري في أوروبا وأمريكا من حراك عمالي وشعبي يؤكد دور الطبقة العاملة في قيادة معارك الخلاص وهي تؤكد ما أكده إنجلس حينما قال عنه لينين «كان إنجلس أول من أثبت أن البروليتاريا ليست فقط الطبقة التي تتألم بل إن الوضع الاقتصادي المخزي الذي تعانيه البروليتاريا هو الذي يدفع بها إلى الأمام دفعاً لا يرد ويحفزها إلى النضال في سبيل تحررها النهائي».
تتصاعد حدة الإضرابات بسبب الأوضاع المخزية الصعبة التي يعيشها العمال في تلك المناطق، وخاصة عندما كان يتفشى وباء كورونا ويتسع نطاقه والذي كان إشارة البدء مجدداً في الهجوم على حقوق العمال ومكاسبهم، إضافة إلى الأزمات المستعصية الأخرى مما أفقد العمال الكثير من الحقوق وخاصة تدني مستوى الأجور وفقدان فرص العمل والهبوط بمستوى المعيشة لدرجه كبيرة عما كانت عليه قبل الإجراءات التي اتخذتها الحكومات الرأسمالية التي صبت بمعظمها لصالح الأغنياء، حيث استطاعوا مراكمة المزيد من الأموال المنهوبة من نتاج عمل العمال وأصبحت الثروة ممركزة في أيدي قلة قليلة من الناهبين الكبار.
تتصاعد وتتطور الحركة الإضرابية في أمريكا وأوروبا وحتى في بعض الأطراف الرأسمالية التابعة وفي هذا السياق -سياق المعارك الطبقية- تنتج الطبقة العاملة قادتها المسلحين بالمعرفة الضرورية لخوض الصراع ويعبرون عن ذلك بأشكال مختلفة؛ فقد اعتبرت «كاشما ساوانت العضو في مجلس مدينة سياتل وحزب البديل الاشتراكي» أن الإضراب هو الأداة الأكثر حده التي يستخدمها العمال للنضال من أجل مصالحهم الجماعية لأنه يمارس سلطة سحب عملهم ووقف أرباح أرباب العمل، وأضافت أنه ينبغي النظر إلى الإضراب باعتباره جزءاً رئيسياً من نهج الصراع الطبقي الشامل لتحقيق مكاسب للعمال مع الاعتراف بأن القوة في غرفة التفاوض تأتي من بناء القوة في الخارج في أماكن العمل وفي الشوارع.
ولا شك بأن الإضرابات جزء مهم وحادّ من الصراع الطبقي الشامل اقتصادياً وسياسياً لأنها تخفف، ولو مؤقتاً، معاناة العمال، على أن تستكمل بمستوى أكثر حدّة وأعلى يتمثل في تنظيم النضال السياسي للطبقة العاملة كما أكد لينين في مؤلَّفه (ما العمل؟) نحو هدفها الاستراتيجي الأعلى والأبعد في القضاء على نظام العمل المأجور نفسه وبناء نظام جديد هو الاشتراكية كضرورة للوصول إلى المجتمع اللاطبقي الشيوعي.
سمي عام 2023 بعام الإضرابات في أمريكا حيث تم تسجيل رقم قياسي في عدد الإضرابات وجميعها يجري التصويت عليه من قبل العمال حيث تنال الموافقة على الإضرابات نسباً مئوية مختلفة، ولكن جميع الإضرابات التي حدثت نالت نسباً مئوية عالية من أصوات العمال. ويتم التصويت في الاجتماعات العامة التي تقيمها النقابات وبالتصويت السري، وهذا الشكل من القرار العمالي هو شكل متقدم في فرض خياراتها وتجعل الحركة النقابية ملزمة في تنفيذ إرادة العمال وقرارهم من أجل انتزاع حقوقهم بالشكل الذي يرونه مناسباً عبر الإضراب أو عبر التفاوض المدعوم بقوة العمال.
أدت الإضرابات التي تمت في 2023 إلى فقدان 7,4 ملايين ساعة عمل وهو أعلى معدل للإضراب من حيث خسائر ساعات العمل في القرن الواحد والعشرين.
تستخدم الحكومات الرأسمالية طرقاً عدة في مواجهة الاضرابات الجارية منها:
جلب كاسري الإضراب للعمل.
منع العمال المضربين من الدخول إلى أماكن العمل.
تغريم العمال.
محاكمة العمال.
اعتقال القيادات النقابية.
بدأت الشركات تتحد من أجل شل النقابات مالياً عبر رفع دعاوى على القائمين بالإضراب باعتبارها غير قانونية خاصة وأن المضربين يفتقدون للحماية القانونية إذا فشلوا في اتخاذ الاحتياطات لتجنب الضرر الشديد الوشيك والمتوقع لممتلكات صاحب العمل.
هذه الأوضاع والإجراءات المزرية دفعت العمال للدفاع عن حقوقهم وهذا كان يتطلب تنظيماً لقواهم من أجل خوض معاركهم الطبقية، فبدأت تنشأ النقابات بتنظيم جديد وبممارسة مختلفة عن النقابات السابقة التي كانت على وفاق مع القوى الرأسمالية ومهادنة لها مما جعل الطبقة العاملة في مرمى النيران بشكل مستمر، حيث بدأ هذا الوضع يتغير كلما اشتد الصراع بين العمال وأعدائهم، فقد أخذت الإضرابات تنتشر في الفروع والمراكز الإنتاجية والخدمية وبتنظيم عالٍ تستند بشكل أساسي على توافق عالٍ بين النقابات الناشئة وبين العمال، وأصبح الإضراب يعلن بالتصويت من قبل العمال على القيام به، وهذا الأمر يكسب النقابات قوة إضافية في الذهاب بالمطالب إلى الحدود التي تلبي مطالب العمال وتعبّر عن حقوقهم المطلوب انتزاعها تارة عبر المفاوضات وتارة عبر الإضراب المباشر، وهذا السلوك الذي تسلكه النقابات مع العمال يجعل منها قوة لا يستطيع رأس المال تجاوز مطالبها ويضطر أرباب العمل للجلوس على طاولة المفاوضات تحت ضغط العمال المضربين عن العمل.
لم تقتصر الإضرابات على بعض الفروع، بل أصبحت شاملة تغطي الشركات ومراكز العمل الأخرى التي تتضامن مع الفروع المعلنة للإضراب.
إن استمرار العمال في تنظيم أنفسهم يعني الخطوة الأولى في تحقيق انتصارهم على أعدائهم الطبقيين الناهبين لقوة عملهم، وأمل العمال يكمن في نضالاتهم الطبقية التي يخوضونها، بمستوياتها كافة، من النضال الاقتصادي والنقابي ونضالها السياسي المنظم بأعلى أشكاله في حزب ثوري يعبر عن مصالحها وينقل لها خبرته ومعرفته في خوض المعارك واستراتيجيات العمل الثوري لتحقيق الانتصار وهزيمة الأعداء.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1171
آخر تعديل على الجمعة, 26 نيسان/أبريل 2024 21:46