قتلة يحكمون الولايات المتحدة بـ«أكذوبة القانون»!

يعلم معظم الأمريكيين أنّ السياسيين يقدّمون وعوداً ولا يفون بها أبداً؛ ويعلم القليل منهم أنّ السياسيين يقدّمون وعوداً لا يملكون أدوات الوفاء بها، ومن جهتهم يعلم السياسيون الذين يرتكبون مثل هذا الرياء أنهم لن يتمكّنوا أبداً من الوفاء بوعودهم. كما يعلمون أنّهم يكذبون، مع أنّهم يقومون بذلك وهم مرغمون.

تستند حكومة الولايات المتحدة إلى القانون الذي يسنّه المشرّعون وتطبّقه السلطة التنفيذية ويحكم القضاء به. لكنّ القانون مجرد أكذوبة. قيل لنا: «إنّ احترامنا للقانون يوفّر لنا الحماية». لكنّ ذلك لا يحدث. فكّروا بذلك! إذ لا يتدخّل القانون وقوّات النظام إلاّ بعد وقوع الجريمة. لا تظهر الشرطة إلاّ بعد أن تتعرض للاعتداء أو السرقة أو القتل؛ إنها تأتي لاحقاً.

إذاً، كيف توفّر لك الحماية؟ نعم، إذا انتُهكت علاقة ثقة، تستطيع أن تقاضي إن كان بوسعك تحمّل النفقات، وحتى ذلك غير مؤكد. (تذكّر ضحايا إكسون فالديز!) حتى لو تلقّى المذنب جزاءً، هل ستكون تماماً كما كنت "من قبل"؟ لا بالتأكيد! الوثوق بالقانون مجرّد جنون. كلّ ذلك يسنّه ويعزّزه ويشرّعه الكاذبون.

القانون جريمةٌ كبرى، أكبر بكثير من الأنشطة التي يحكم عليها، وما من طريقة تمكّنك من حماية نفسك منه. الحكّام يحمون أنفسهم بأنفسهم. أمّا القانون، فلا يحمي الناس لأنّه مجرّد أداة للعقاب. يمكن استعماله، وغالباً دون فعالية، للاقتصاص من الجاني. القانون لا يلغي الجريمة أبداً. إعدام القاتل لا يعيد المقتول مطلقاً. وتحميل شركة بريتيش بتروليوم المسؤولية لن يعيد سبخات لويزيانا ولن يعيد إلى الحياة الكائنات الحية البرّية والبحرية التي قتلت ولن يعوّض الضحايا عن خساراتهم. راقب جيداّ ما سيحدث في العقدين التاليين حين ستستعمل الحكومة القانون للتستر على بريتيش بتروليوم وترانس أوشن وهاليبورتون في حين ستختفي مطالب الذين أضرّ بهم التسرّب في الرمال المتحركة للنظام القضائي الأمريكي.

كتب جيم كوري مقتبساً من دراسات وكالة الاستخبارات الفيدرالية إف بي آي أنّه "يمكن ملاحظة بعض السمات الشخصية للقتلة والمجرمين لدى الكثيرين في ميدان السياسة". فلديهم سمات الشخصيات المختلة التي تفتقر لحساسية التجاوب مع النداءات الإيثارية كالتعاطف مع الضحايا أو الندم أو الإحساس بالذنب لما ارتكبوه من جرائم. كما أنّ من سماتهم الفردية الكذب والنرجسية والأنانية والزهو. هؤلاء هم الذين نأتمنهم على مصائرنا. ما من عجب في أنّ أمريكا أخفقت داخل البلاد وخارجها!

قد يقول قائلون إنّ هذا الزعم متطرّفٌ ومتهور. أنا أيضاً أصبت بالدهشة حين قرأت مقطع كوري. لكن يمكن لنا الاستشهاد بما يؤيد هذا الزعم. قال جون ماكين: "قصف، قصف، قصف" أثناء الحملة الرئاسية الأخيرة رداً على سؤال يتعلق بإيران. لم يعبّر أحدٌ في الحكومة عن مشاعر الأسف لقتل عشرات الألوف من الناس في العراق وأفغانستان ممّن لم يكن لهم أيّة علاقة بما حدث في الحادي عشر من أيلول، أو بصدد الاستهداف المتعمّد للأطفال والنساء في باكستان بطائرات من دون طيّار. ما الذي يميّز القتلة التسلسليين من مسؤولي الحكومة هؤلاء؟ ما يميّز مسؤولي الحكومة هو فقط أنّهم لا يمارسون القتل بأنفسهم بل يدفعون غيرهم لفعل ذلك. لكن هذا بالضبط ما كان معظّم عرّابي عصابات المافيا يفعلونه.

إذاً، هنالك أسئلةٌ يتوجّب طرحها: هل أصبحت حكومة الولايات المتحدة مشروعاً إجرامياً؟ هل يقود الأمّةَ مرضى نفسيون؟ حسناً، كيف يمكن تفسير إفقار الناس وتشجيع المجمع الصناعي العسكري والحروب التي لا حصر لها وما ينجم منها من إبادة جماعية، وتدمير البيئة، وتجاهل انهيار البنى التحتية، ومساندة الحكومات التسلّطية والفاسدة (التي غالباً ما تدعى بالديمقراطية) في الخارج؟ والأسوأ، لماذا تستطيع الشركات أن تحقق ثراءً فاحشاً أثناء تلك الحروب في حين يُطلَب من الناس أن يضحّوا؟ لماذا لم تحاول الحكومة ولو مرّةً منع مثل هذه الأرباح؟ هذا أمرٌ تستطيع القيام به.

في اللغة الدارجة، يعدّ إيذاء الناس جريمة. وهو أكثر من جريمة حين تقوم به الحكومات والأنظمة القضائية والشركات. تستغلّ الحكومة القانون طيلة الوقت لإيذاء الناس أو لحماية القادة من عواقب إيذائهم الدائم للناس. لاحظوا إن كان أحدٌ من شركة ماسي إينرجي قد لجأ إلى القضاء بسبب كارثة منجم أبر بيغ برانش للفحم. حين تتهم الشركات بالاختلاس، فغالباً ما يكون جوابها أنّ فعلها كان قانونياً. لكنّ القانوني ليس مرادفاً للصواب. حين يصل المجرمون إلى السلطة، يشرّعون الإجرام.

وحتى تغيّر حكومة الولايات المتحدة سلوكها، فهذه الأمّة مدانة. يبدو أنّ أحداً في الحكومة لا يدرك أنّ النفاق يولّد ارتياباً، وأنّ الارتياب يولّد شكّاً، وأنّ الشكّ يثير اللوم في نهاية المطاف. أليس عجز الحكومة عن الوعي دليلاً على مرض نفسي إجرامي؟ 

* جون كوزي أستاذ فلسفة ومنطق متقاعد

يكتب في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية