لماذا يريدون «المشروع الأخضر» رغم تدميره لبلدانهم؟
أنطون نيلمان أنطون نيلمان

لماذا يريدون «المشروع الأخضر» رغم تدميره لبلدانهم؟

في أوائل شباط، اضطرت رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين إلى الإعلان عن سحب «مشروع القانون الأخضر» للحدّ من استخدام المبيدات الزراعية والأسمدة. ليحقق نضال المزارعين الأوروبيين الطويل الأمد انتصاراً مرحلياً. ومع ذلك، وعلى الرغم من اضطرارهم إلى التسوية، لا يبدو أن الساسة الأوروبيين يعتزمون التخلي عن هدف تدمير الزراعة الأوروبية، وهم يبحثون عن فرص لتقديم مقترحات جديدة ناضجة يمكن تمريرها. لكن بغضّ النظر عن الحيل الجديدة التي قد يلجأ إليها الساسة الأوروبيون، فإنّ أفكارهم محكوم عليها بالفشل، لأنها تنتهك أبسط مقتضيات الفطرة السليمة والعلم. ولن يقبله إلّا الذين يودّون ممارسة سلوك انتحاري.

ترجمة: قاسيون

بدأت هذه القصّة في أيار 2020، عندما أعلنت المفوضية الأوروبية عن «مشروع القانون الأخضر» لإزالة الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية بشكل شامل من القطاع الزراعي في الاتحاد الأوروبي. حيث من الضروري توجيه المزارعين أو إجبارهم على استخدام «وقاية النباتات وغيرها من الطرق البديلة» لحل مشكلة الآفات. ولا يمكن استخدام المبيدات الحشرية «إلّا في الظروف القصوى». بالإضافة إلى ذلك، يمنع استخدام المبيدات الحشرية في «المناطق الحساسة» مثل المساحات الخضراء الحضرية والمحميّات الطبيعية.
في المقابل، وعد الاتحاد الأوروبي بتعديل السياسات الزراعية وتقديم التعويضات للمزارعين خلال فترة انتقالية مدتها خمس سنوات. وكبدائل للأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية، اقترحوا «خطط عمل» لتطوير «بدائل مستدامة» و«تكنولوجيا زراعة المحاصيل الدقيقة»، لكن حتى الآن، ظلت «خطط العمل» هذه مجرد كلمات فارغة.
خرج المزارعون في العديد من البلدان إلى الشوارع احتجاجاً، وبدأت بلدان منفردة، وأبرزها إيطاليا وفرنسا، بالتحدث علناً ضدّ هذه المبادرة. اعتباراً من نهاية تشرين الثاني 2023، عندما استعرض البرلمان الأوروبي اقتراح «الزراعة الخضراء»، أيّد 207 أعضاء فقط من أعضاء البرلمان الأوروبي الاقتراح وصوت 299 ضده. لكنّ الساسة لا يستسلمون، بل ويتعهدون بمواصلة الدفع بهذه المبادرة. هذا التصريح، الذي كان مناقضاً تماماً للواقع الاقتصادي، أشعل على الفور برميل بارود، وأدى إلى رد فعل أكثر عنفاً.
في عام 2023، بدأت احتجاجات المزارعين في بولندا وألمانيا وفرنسا الواحدة تلو الأخرى، وفي هذا العام، انضم المزارعون في بلجيكا وإيطاليا واليونان وليتوانيا ولاتفيا والعديد من البلدان الأخرى أيضاً إلى صفوف الاحتجاجات. استخدموا الوسائل نفسها تقريباً؛ استخدام الجرارات لإغلاق شوارع المدينة والطرق السريعة، وردّدوا شعارات متشابهة للغاية: الاحتجاج ضد ارتفاع أسعار الديزل، وخفض إعانات الدعم الحكومية، ومعارضة سياسات الاتحاد الأوروبي المناخية، وما إلى ذلك.
لكنّ مشروع «الزراعة الخضراء» سخيفٌ برمّته. لا يمكن للزراعة الحديثة الاستغناء عن هذه الأشياء: ضوء الشمس، والماء، والتربة التي تحتوي ما يكفي من المعادن، وكذلك البذور المحسَّنة وطرق قتل الآفات. تحتاج النباتات إلى النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم لتزدهر. ومع ذلك، في 2020، قرر السياسيون الأوروبيون الانقلاب على إنجازات العلماء العظماء. سيؤدي تقييد استخدام الأسمدة الكيماوية ومبيدات الأعشاب إلى خفض إنتاج القمح في الاتحاد الأوروبي بنسبة 15% على الأقل، مما يجعل الاتحاد الأوروبي مستورداً صافياً للقمح بحلول عام 2030. لقد تسبب التقييد المفرط أو حتى حظر استخدام المبيدات الحشرية في مشاكل خطيرة. مثال ذلك في إسبانيا، أصبح بومبا، وهو صنف من الأرز، على وشك الانقراض لأنّ الاتحاد الأوروبي حظر استخدام مبيد الفطريات ثلاثي سيكلازول الفعّال ضد فطريات الأرز. ونتيجة لذلك، بلغ محصول أرز بومبا في عام 2023 النصف فقط وتضاعف سعره. الموقف الفكاهي هنا أنّ إسبانيا، التي لم تكن بحاجة إلى الاستيراد من قبل، بل وكانت لديها القدرة على تصدير أرز بومبا، تستورد الآن أرز بومبا من دول لا تحظر استخدام مبيد الفطريات ثلاثي سيكلازول.

ليست المشكلة في الزراعة

لا تكمن المشكلة في الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية، بل في التفكير المتطرف الذي يتمّ دفع البيروقراطيين الأوروبيين إليه لأسباب تصبّ في مصلحة القلّة. لكنّ الواقع سيعلّمهم كيف يتصرفون. هناك بالفعل دولة في العالم أظهرت بشكل مثالي آثار عملية التبني الأعمى «للزراعة الخضراء» والتي أدّت في نهاية المطاف إلى انهيار البلاد، إنّها سريلانكا. في عام 2019، فاز غوتابايا راجاباكسا، المؤيد لأفكار «الزراعة الخضراء» المتطرفة، بالانتخابات الرئاسية السريلانكية. بمجرد وصوله إلى السلطة، بدأ بالإجراءات الحالمة غير الواقعية.
في 2021، وبحجّة الحد من تدفقات النقد الأجنبي إلى الخارج، فرضت الحكومة السريلانكية حظراً شاملاً على استيراد الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية ونفذت استراتيجية «الزراعة العضوية»، وأدّت النتائج على الفور إلى عواقب وخيمة. نظراً لأن سريلانكا بلد يعمل فيه جميع الناس في الزراعة ولا توجد تربية حيوانية تقريباً، سرعان ما وقعت «الأسمدة العضوية» في حالة نقص خطير في الإمدادات. ونتيجة لهذا، وبسبب نقص الأسمدة، انخفض محصول الأرز في سريلانكا بشكل حاد بنسبة 40% إلى 45% في ذلك العام، وارتفعت الأسعار بنسبة 50%. كما تحولت سريلانكا من دولة مصدّرة للأرز إلى مستوردة، حيث استوردت أرزاً بنحو 450 مليون دولار أمريكي. يعادل هذا المبلغ ضعف النقد الأجنبي الذي تم توفيره من خلال حظر الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية. قبل تطبيق استراتيجية «الزراعة العضوية»، كان بإمكان سريلانكا حصاد 50 ألف طن من الذرة، لكن بعد تطبيق الاستراتيجية، لم تحصد سريلانكا سوى 60 طناً من الذرة في 2022. انخفض أيضاً إنتاج سريلانكا من الشاي في ذلك العام إلى أدنى مستوياته منذ عام 1995.
انتهت استراتيجية «الزراعة العضوية» في سريلانكا بأعمال شغب وتمرّد وإحراق متعمد وهروب الرئيس راجاباكسا إلى جزر المالديف. من الناحية المنطقية، ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يتعلّم الدروس من مصير سريلانكا، ولكن بالحكم على الموقف الصارم الذي اتخذه الساسة الذين لم يتخلوا عن خططهم، فإمّا أنّ هؤلاء الساسة الأوروبيين لم يسمعوا عن سريلانكا على الإطلاق، أو أنهم يتظاهرون بالغباء، كما هي الحال مع فون دير لاين التي اقترحت مشروع قانون «الزراعة الخضراء» الذي يشكّل نسخة الاتحاد الأوروبي من استراتيجية «الزراعة العضوية».
إنّ انتفاضة المزارعين الأوروبيين جاءت احتجاجاً على الوضع المزداد سوءاً الذي يعيشونه. فمن أجل توفير النفقات والتعويض عن النقص الناجم عن أسباب مختلفة، تعمل الحكومات الأوروبية على تشديد قيودها المالية وقطع مختلف أشكال المعاملة التفضيلية للمزارعين. المزارعون الأوروبيون رافضون بشدة ظروفهم المعيشية. يعيش 17.4% من المزارعين الفرنسيين مثالاً تحت خط الفقر، أي ضعف المعدل الوطني البالغ 9.2%. لا يوجد شباب يريدون أن يصبحوا مزارعين. وفي إسبانيا، عانت الزراعة من موجات جفاف قياسية خلال الأعوام القليلة الماضية، حيث أدى فصلان متتاليان حار وجاف إلى انخفاض محصول الزيتون بنسبة 50% في منطقة الأندلس. يواجه المزارعون البرتغاليون مشاكل مماثلة.
وبسبب الزيادة الكبيرة في صادرات الحبوب الأوكرانية في 2022، بدأت الحبوب الأوكرانية تتدفق إلى هذه البلدان وتهدد المزارعين المحليين. ومقارنة بالمزارع الأوكرانية الكبيرة، فمن الواضح أن مزارعي الاتحاد الأوروبي الذين يعانون من «القانون الأخضر» وارتفاع تكاليف الإنتاج غير قادرين على المنافسة. تعرّض المزارعون الأوروبيون والمنتجات الزراعية الأوروبية للصدمة في البداية بسبب مشروع قانون «الزراعة الخضراء»، ثم اضطروا إلى التعامل مع سياسات الحكومات المتكررة بشأن الإعانات الزراعية، وأخيراً واجهوا التأثير المضطرب الذي خلفته الحبوب الأوكرانية. وعلى هذا فإن كراهيتهم لساسة الاتحاد الأوروبي وحكوماتهم الوطنية لها ما يبررها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1164