معارضة الحزب القائد..

معارضة الحزب القائد..

ترتدي مسألة تجميع القوى المعارضة الوطنية السورية أهمية قصوى وضرورية في اطلاق عملية الحوار الوطني والحل السياسي. ومطلب تجميع قوى المعارضة يختلف بالجوهر عن مطلب «توحيد المعارضة»، فإذا كان الأول يعني جهوزية التشكيلة السياسية المعارضة للدخول في عملية الحوار، أي تكوين طرف معارض محاور في ظرف الأزمة، مع الأخذ بعين الاعتبار اختلاف برامج القوى المعارضة. فإن الثاني كان جزءاً من سيناريو تسليم السلطة المرتبط بالتدخل العسكري الخارجي، أو تسوية سياسية دولية، والذي يبخس حقوق قوى المعارضة بالتمايز عن بعضها بالبرامج. وهو ما ساهمت المعارضة الوطنية في إفشاله. لذا ينفتح الأفق اليوم من جديد لانطلاق الحل السياسي بعد أن أثبت الحل العسكري فشله، ويأتي ذلك نتيجة لتراجع إمكانية التدخل العسكري الخارجي. من هنا جاءت مبادرة طهران ونتائج مؤتمر حركة عدم الانحياز والمبادرة العراقية كالتأكيد على ضرورة الحل السياسي، وتبني خيار الحوار، ونبذ التدخل الخارجي والعنف من الطرفين..

ساعدت تلك الظروف الجديدة التي أحاطت بالأزمة السورية هيئة التنسيق على إطلاق مبادرتها، وهو ما نصت عليه مقدمة المبادرة، التي عكست اضطرار الهيئة إلى الحوار بعد ردح طويل من عمر الأزمة تبنّت فيه الهيئة شعار «لا للحوار»، فقد قرأت الهيئة التوازن الدولي الجديد كظرف معيق للثورة الوطنية الديمقراطية، وقدمت مبادرتها كمناورة لا مناص منها في ظل هذا التوازن..

دعت هيئة التنسيق إلى مؤتمر للمعارضة السورية في الداخل بتاريخ 12/9/2012 ثم تأجل موعد المؤتمر إلى 23/9/2012 . وكانت قوى المعارضة الوطنية الأخرى، وفي مقدمتها الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير وائتلاف قوى التغيير السلمي، قد رحبت بمبادرة هيئة التنسيق كونها تمثل انعطافا بموقف الهيئة، ولضرورة الإسراع بإطلاق الحل السياسي الذي من شأنه أن يحقن دماء السوريين، وينقل البلاد خطوة باتجاه التغيير الوطني الديمقراطي المنشود.

ومع بداية المشاورات بخصوص المؤتمر المزمع انعقاده بين قوى المعارضة الوطنية، أبدت الهيئة موقفاً إقصائيا متعالياً مع قوى المعارضة الأخرى، لا ينسجم مع روح الشعارات التي تطرحها الهيئة بضرورة احترام الرأي الآخر والتعامل بروح ديمقراطية، تمثل في محاولتها استبعاد بعض القوى المعارضة من صفوف المعارضة، ويمكن وصف تلك العقلية بأنها عقلية النظام نفسه وقد تسللت إلى تقاليد العمل السياسي المعارض، عقلية الحزب القائد، الوصي على القوى السياسية، ويمنح شهادات حسن السلوك، ويمنح صكوك المعارضة والغفران للقوى الأخرى. في حين المعارضة الحقيقية تتصنف حسب برنامجها السياسي والاقتصادي- الاجتماعي والوطني، وهذا يضع الهيئة نفسها تحت المجهر، شأنها شأن بقية القوى..

تنتمي هذه العقلية إلى مرحلة الفضاء السياسي القديم الذي كان السبب في تفجير الأزمة، وهي اليوم تلعب دوراً في إدامة أمد الأزمة، من خلال منع تكوين طرف محاور في مقابل النظام، وهو ما يصب في مصلحة النظام نفسه. وما من مكسب تحوزه هيئة التنسيق في المقابل، إلا إرضاء النفس الحزبي الضيق، على حساب مصلحة البلاد والشعب في الحوار المرتقب. فما إن تجاوزت الهيئة خطأها السابق المتمثل برفض الحوار، والذي كلف العملية السياسية كثيراً، والذي يظهر محاكاتها لسلوك مجلس إسطنبول، حتى وقعت في مطب جديد يوضح مدى محاكاتها لسلوك النظام في النبذ والإقصاء والتخوين.

لا تثق الهيئة، شأنها في ذلك شأن النظام ومجلس إسطنبول، بجوهر الحركة الشعبية، الذي أفهم العالم كله أن صاحب الجلالة الوحيد هو الشعب، وأن زمن إدارة الناس من فوق قد ولّى، وأن مستقبل أية قوة سياسية رهين بما تعكسه من مصالح الشعب- وليس مسايرة المزاج العام- وهو ما يجعلها حتى الآن في عداد القوى غير القادرة على التمثيل.

يبرز تناقض كبير إذا عدنا إلى الطريقة التي تعاملت فيها الهيئة مع مجلس اسطنبول في وقت سابق، فقد كانت الهيئة تأخذ في عين الإعتبار رد فعل ذلك المجلس بالدرجة الأولى على أية خطوة تخطوها، وهو ما ينعكس في المنهجية التي صيغت بها مقدمة المبادرة، ولم تكن ترد على «تشبيح» أعضاء ذلك المجلس الذي وصل إلى حد الضرب المباشر لأعضاء الهيئة في القاهرة، ناهيك عن الذم والقدح الإعلامي. وكانت الهيئة تبدي تفهماً غير مبرر، إذا استثنينا القيادي في الخارج هيثم مناع..

فهل كان ذلك مراهنة على نجاح مشروع مجلس إسطنبول؟ وحجز لمقاعد داخل مشروعهم دون تحمل المسؤولية التاريخية عن نتائج هذا المشروع؟ أم هي روح ديمقراطية مبالغ بها؟ وإذا كانت كذلك لماذا لايمارسونها مع معارضة وطنية لم تتورط بما تورطت به القوى السياسية الأخرى؟؟

تمتلك كل القوى السياسية أدواتها الذاتية في التعامل مع المهام الوطنية والديمقراطية، طالما أن المعيار الفصل هو الجماهير الناشطة سياسياً، لذا فلا يحق لأحد اليوم احتكار تمثيل أي اتجاه أو حالة سياسية، لأن الذي يحدد هو المجتمع وليس الإعلام أو هذا الطرف الدولي أوذاك..