إفتتاحية قاسيون 586: من هم أعداء الإرادة الشعبية وكيف يحاربونها؟

إفتتاحية قاسيون 586: من هم أعداء الإرادة الشعبية وكيف يحاربونها؟

تكرر الهجوم على سياسة حزب الإرادة الشعبية في مناسبات عديدة خلال الأزمة السورية من أطراف متشددة ومتناقضة شكلياً. تصاعد أحياناً، وانخفض أحياناً أخرى، ولكن ميله العام كان صاعداً دائماً. وكان الحزب قد تنبأ مسبقاً بأنه سيتحول مع تطور الصراع إلى نقطة تقاطع نيران. ووصوله اليوم إلى هذه النقطة، ورسوخه عندها، أمرٌ يرضيه تماماً..

استخدمت الأطراف المتشددة الموزعة في الطرفين أدوات عدة في الهجوم على الخط السياسي للإرادة الشعبية. من جهة «المعارضة»، جرت محاولات تغييبه أو حسابه في عداد النظام، ومن جهة النظام جرت بشكل مكثف محاولة تحميله وزر الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي باضطراد، ومحاولات إلحاقه وسحب صفته المعارضة..

يختفي وراء الاتفاق الضمني بين حرامية النظام وحرامية المعارضة في هذا الهجوم أمرٌ آخر تماماً، يختلف عن كل ما يجري التصريح به من الجهتين.. إن هذا الهجوم في عمقه، هو ردٌ على خطٍ سياسيٍ تقدم بثبات طوال الأزمة ليخرب على الناهبين في الطرفين «رسمتهم» لتحاصص جديد يستظل ببعض التغييرات الشكلية وفقاً للنموذج التونسي/ المصري، ويبقي كل ما عدا ذلك على حاله..

رفض حزب الإرادة الشعبية منذ اللحظات الأولى الانقسام الوهمي بين «موالي» و«معارض»، واشتغل على فرز عميق، وطني واقتصادي- اجتماعي وديمقراطي، فرز يضع السوريين في مواجهة منظومة النهب والقمع التي ينتمي إليها الطرفان المتشددان وميليشياتهم من «شبيحة» و«ذبيحة»، فرز ينهي مراسم دفن الفضاء السياسي القديم، ويسمح للجديد بالولادة. الفرز الحقيقي الذي لم يكن يوماً إلا بين ناهبين ومنهوبين، بين الذين يعملون وينتجون، وبين أولئك الذين لا ينتجون لكنهم يسرقون تعب الآخرين، الناهبون الموزعون في كل الأطراف ويرتدون طرابيش مختلفة سياسية وطائفية وقومية، والمنهوبون المنثورون بعرائهم وفقرهم في بقاع سورية كلّها.. إن الهجوم على هذه الطريقة في فهم الأمور، أمر مبرر من الناهبين، فإذا المنهوبون أدركوا وحدة حالهم وجمعوا شتاتهم، فإن للناهبين طريقاً واحداً للهرب، هو المرور من خرم الإبرة..

شارك الحزب في الانتخابات وفي الحكومة، وشارك في التظاهر السلمي، وتحاور مع المسلحين، ومع المعارضة السياسية، لأن أطرافاً ثلاثة ينبغي فرزها: (النظام، الحركة الشعبية، والمعارضة السياسية)، لأن الخط السياسي كما يفهمه حزب الإرادة الشعبية يمثل في النهاية طبقة أو تحالف طبقات، والخط القائل بالحل السياسي والحوار والتغيير الجذري يمثل سوريين موجودين في الأطراف الثلاثة.. 

أصر حزب الإرادة الشعبية على رفض أوهام الحسم العسكري وأوهام الإسقاط، مستنداً في ذلك إلى فهم التوازنات الدولية والداخلية، وأصر لذلك على الحوار والحل السياسي مخرجاً نحو المعركة الحقيقية.. ففي معركة اليوم يقتل الفقراء بعضهم بعضاً ليقتسم المتخمون دماءهم. والحل السياسي لذلك، ليس سوى أداةً في إعادة الاصطفاف الذي يسمح بثورة حقيقية تغيّر النظام في سورية تغييراً جذرياً عميقاً سلمياً، تغييراً اقتصادياً سياسياً وديمقراطياً، تغييراً يعزز دور سورية الممانع للهيمنة الأمريكية ويرتقي بها إلى مستوى المقاومة..

إن تصالب النيران واشتدادها الذي سيزداد في المرحلة القادمة، يشير بوضوح إلى درجة رعب الفاسدين وإلى تخبطهم، وهو أمرٌ جيدٌ على كل حال.. والملاحظ أن كل هجوم جديد يزيد من قوة الخط السياسي ومن التفاف الناس حوله، وهذا كذلك أمر جيد..

يبقى التعويل دائماً على الحركة الشعبية بمفهومها الواسع، على إبداع الناس في تحقيق ومراكمة انتصاراتهم اليومية، وإن كانت صغيرة. فتقدم هذه الحركة وتحولها من درجة نشاط سياسي عالٍ إلى درجة تنظيم سياسي عالٍ، هو فقط ما يمكن التعويل عليه لنقل سورية موحدةً أرضاً وشعباً إلى سورية جديدة، عادلة وحرة، إلى سورية دولةً للشعب، وليس لناهبي الشعب.. هذا رهان وقناعة الإرادة الشعبية التي ستبقى وفية لها أبداً، وإن كره الفاسدون..