ألف عام وعام عربي روسي
د. أحمد الخميسي د. أحمد الخميسي

ألف عام وعام عربي روسي

يتصور الكثيرون أن علاقة مصر والعرب بروسيا بدأت بعد ثورة 23 يوليو 1952، وتطورت ثم همدت ثم عادت تنتعش بزيارة السيسي الثالثة لموسكو في 25 أغسطس الحالي. إلا أن تاريخ العلاقة الحضاري والاجتماعي يمتد لأكثر من ألف من عام، منذ قيام ابن فضلان مبعوث الخليفة العباسي برحلته إلي روسيا عام 922 ميلادية، وكتابه " رحلة ابن فضلان إلي الفولجا" الذي سجل فيه ما شاهده هناك وما لاحظه من طباع الروس وعاداتهم. أما إذا أرخنا للعلاقة بدخول الإسلام إلي جنوب روسيا في القرن السابع م فسنجد أنها تمتد إلي ألف وثلاثمائة عام لم تتوقف فيها العلاقات التجارية والثقافية والعسكرية أيضا.

وفي المقابل تولى الرحالة الروس تقديم مصر إلي بلادهم كما فعل" إيجومين دانييل " في القرن 12، و" فاسيلي جاجارا" الذي زار القاهرة ووصف شوارعها وسجل أنه رأى في النيل وحشا ضخما لم يسبق له رؤيته، يقصد التمساح! ومع نهضة روسيا في القرن 17 عهد بطرس الأكبر تم عام1748 افتتاح أول قنصلية روسية في مصر. وفي الثلث الأخير من القرن 18 طلب على بك من القيصرة يكاترينا الثانية مساعدته في الاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية فأرسلت إليه عدة سفن حربية رابطت في مياه الجزر اليونانية! وفي إطار مشروع محمد على لتحديث مصر راح يبحث عن طريقة لاستخلاص الذهب من رمال السودان، فاستدعى القنصل الروسي وأهداه علبة نشوق ذهبية فاخرة وسأله إن كان لدي روسيا علم بكيفية استخلاص الذهب؟ وهل تستطيع روسيا أن تمده بالمعدات الخاصة بذلك؟ فأجابه القنصل بالإيجاب، وهكذا أرسل محمد على عام 1845 أول مبعوثين مصريين لدراسة علم التعدين في سيبيريا وهما : إيليا داشوري، ومحمد على وأثار الاثنان دهشة الروس الذين تعجبوا من شابين أسمرين إفريقيين يدرسان بجدية في درجة حرارة تقل عن أربعين تحت الصفر! 

 

وفي عهد محمد على عام 1848 مع بروز مشروع الاستقلال وتحديث مصر طلب محمد على من قنصل روسيا أن يوفر له المعلومات الخاصة باستخلاص الذهب والمعدات الخاصة بذلك في روسيا . وتلقى محمد على المعلومات اللازمة بالفرنسية ، وبعدها قام محمد على باستدعاء القنصل الروسي وأهداه علبة نشوق ذهبية وطلب منه أن ترسل روسيا إلي مصر خبراء ومهندسين لمساعدته ، لكن روسيا اعتذرت لانشغال مهندسيها . فأوفد الباشا عام 1845 مبعوثين مصريين لدراسة التعدين  في سيبيريا هما : محمد على ، وإيليا داشوري اللذين أثارا دهشة الروس لأنهما واصلا الدراسة في درجة حرارة خمسين تحت الصفر! وبرزت  روسيا على خريطة الاهتمامات المصرية فقام الأمير عباس حلمي عام 1888 بزيارتها وقام الأمراء الروس برد الزيارة. ولم تنقطع العلاقة إلا عام 1917 مع قيام الثورة الاشتراكية، لكنها عادت إلي مجاريها عام 1937 حين تبادل البلدان الاعتراف مجددا، ثم استؤنفت العلاقات في أغسطس 1943 ولم تنقطع من يومها، وظلت تتسع لمختلف أشكال التأثير والتأثر، فقد كتب أمير الشعراء الروس بوشكين يقول " العرب ألهموا ملاحم العصور الوسطى كل الرقة والنشوة الروحية والحب"، كما كتب هو نفسه " قبسات من وحي القرآن"، وكانت هناك رسائل متبادلة بين الإمام محمد عبده وليف تولستوي مؤلف الحرب والسلام. والآن، بانفتاح آفاق التعاون بين البلدين مجددا تواصل العلاقة تعميق مجراها التاريخي والحضاري والثقافي.