الحريري... «حمامة الغرب التفاوضية»!
سعد صائب سعد صائب

الحريري... «حمامة الغرب التفاوضية»!

أطلق نصر الحريري صباح اليوم 10 كانون الأول، مجموعة من التصريحات لوكالة الأناضول على هامش لقاء له ولمجموعة من هيئة التفاوض (لم تتضمن سوى أعضاء في الائتلاف، وعقد ضمن أحد مكاتب الائتلاف في اسطنبول)، مع مجموعة من ممثلي الدول الغربية بينها ألمانيا وفنلندا.

وبين التصريحات نقطتان أساسيتان، الأولى هي «ضرورة دعم الاتفاق (اتفاق سوتشي حول إدلب) والمحافظة على سريانه حفاظاً على أرواح المدنيين المتجمعين في إدلب وريفها من مختلف مناطق سورية»، والثانية هي ادعاؤه أنّ «الموضوع (موضوع اللجنة الدستورية) ليس موضوع العدد، وليس موضوع توزيع الأسماء وتوازناتها، وإنما تريد روسيا تغييب دور ورعاية الأمم المتحدة لهذه العملية».
تأتي هذه التصريحات استباقاً للإحاطة الأخيرة التي سيقدمها دي مستورا يوم الرابع عشر من الجاري في مجلس الأمن، وتأتي لدعم انحياز هذا الأخير للمجموعة المصغرة وعلى رأسها واشنطن والتي صعدت من نشاطها التخريبي خلال الأشهر الأخيرة ابتداء من تسلم جيمس جيفري مهامه مبعوثاً خاصاً لسورية.

أولاً: حول اتفاق إدلب


من المفارقات غير المفاجئة، الدعم اللفظي المتكرر الذي محضته الدول الغربية لاتفاق سوتشي حول إدلب، بل والإشادة المتكررة به وبضرورة الحفاظ عليه، وأقوال الحريري في هذه النقطة، كما أقواله جميعها، مشتقة من الأقوال الغربية. ولكن ما ينبغي الوقوف عنده في هذه المسألة هو السؤال البسيط التالي: ما الذي يعنيه دعم اتفاق إدلب؟ أليس معنى دعم أي اتفاق كان هو الدفع باتجاه تنفيذه كاملاً؟ بكل بنوده؟!
إذاً ما المقصود بتكرار الحديث عن «الحفاظ على اتفاق إدلب» والعمل لتحويله من اتفاق مؤقت، كما هو فعلاً إلى اتفاق دائم؟ ما الذي يعنيه تكرار الحديث عن دعم اتفاق إدلب عن طريق تصويره بأن الاتفاق بأكمله هو «اتفاق لوقف إطلاق النار»؟ والحق أن الاتفاق أكد على محاربة النصرة حتى الإجهاز عليها نهائياً... ألا يعني هذا كله أنّ ما يريده الغرب ومعه شغيلته المتشددون ضمن هيئة التفاوض هو تحويل الاتفاق من اتفاق يهدف (ضمن آجال زمنية محدودة) لإنهاء النصرة وحلفائها عبر تعاون روسي تركي وعبر الفصل النهائي بين المعتدلين وبين الإرهابيين، إلى اتفاق يهدف إلى الحفاظ على النصرة بالذات لإبقائها ورقة بيد الأمريكي تمنع التقدم ضمن الحل السياسي؟
إنّ الحديث الذي يدعي الحرص على حياة المدنيين في إدلب، ويسعى للحفاظ على النصرة في الوقت نفسه، إنما يعني الحرص على بقاء ملايين السوريين رهينة ودرعاً بشرياً بيد النصرة، وواقعين تحت جورها وإجرامها، ويمكن لأي متابع نزيه أن يرصد جرائم النصرة اليومية تجاه أهل إدلب والشمال السوري عموماً، من قتل وخطف وتعذيب بغرض الحصول على فدية، ومن اعتقال وتصفيات...
هذه هي حقيقة الأمر، وهو ما لن يتم؛ لأن اتفاق إدلب سينفذ كاملاً، وكما هو، بكل بنوده، شاءت أمريكا ذلك أم أبت.

 

ثانياً، حول اللجنة الدستورية


يتهم الحريري، الذي سبق له أن كان جزءاً من مجموعة الأربعين التي رفضت العملية التفاوضية بأكملها إبان جنيف2، وتحول بقدرة قادر بعد ذلك إلى «حمامة حوار» ولكن طبعاً بوصفه حمامة الغرب الأساسية ضمن العملية التفاوضية، يتهم روسيا بأنها تسعى لإنهاء دور الأمم المتحدة ضمن الحل السوري، انطلاقاً من اللجنة الدستورية.
ينبغي تذكير السيد حريري، بأنه مع مجموعته المتشددة ضمن الهيئة، زوروا نتائج تصويت الهيئة حول حضور سوتشي، متجاوزين النظام الداخلي للهيئة، وقاموا بتصدير موقفهم على أنه موقف الهيئة برفض الذهاب إلى سوتشي، وعاد بعد ذلك للموافقة على نتائج سوتشي، وسوتشي هذه تقع في جنوب روسيا، وضمن حدودها، والمؤتمر مبادرة روسية...
ولما وصلت الأمور إلى خلاف على الثلث الثالث في اللجنة وكيفية اختياره، تخلى الحريري عن دور المعارضة السيادي في المشاركة في اختيار أعضاء الثلث الثالث لمصلحة دي مستورا ومن خلفه المجموعة المصغرة، في مخالفة صريحة للقرار 2254 ولبيان سوتشي الذي يقول بأن الحل سوري- سوري، وأن دور الأمم المتحدة هو التسهيل فقط، وليس تعيين أعضاء ممن سيكتبون الدستور السوري!!
بكل الأحوال، ليس غريباً تخلي هذا النوع من الأشخاص عن حقوق السوريين السيادية، فمن يقطع لسانه عن إدانة وقوف الأمريكي إلى جانب الصهيوني في الأمم المتحدة وضد سوريّة الجولان السوري المحتل، بل ويبقى صامتاً بعد إعلاننا لصمته هذا، لا يمكن لك أن تستغرب منه شيئاً، فما بالك بالصمت عن المجازر التي يرتكبها التحالف في دير الزور بشكل يومي، وما بالك بالصمت عن الدفع الأمريكي العلني نحو نموذج «كردستان العراق»، وما بالك بالصمت عن خروقات جبهة النصرة، وبعد ذلك كله يتقول هو وبعض أبواقه ضمن الهيئة، وناطقه الإعلامي ضمناً، عن «الإنسان السوري»، و«حق الإنسان السوري»!
المضحك في تصريحات الحريري أنها تزخر بوهم كبير هو أنّ استلام السيد بيدرسون للملف بداية العام القادم، ستعني العودة إلى الصفر، حيث يحلم بأن يعود إلى جنيف ليعقد اللقاءات غير المنتهية وعديمة الجدوى، والتي يتبعها دائماً بحملة شتائم في مؤتمراته الصحفية من على منبر الأمم المتحدة... هيهات!