ما الذي يعنيه إعلان «الحوثيين» امتلاك السلاح الأكثر تطوراً في العالم؟

ما الذي يعنيه إعلان «الحوثيين» امتلاك السلاح الأكثر تطوراً في العالم؟

نقلت وكالات الأنباء في الأيام الماضية أنباء جديدة حول الأسلحة فرط الصوتية، كان آخرها إعلان القوات الجوية الأمريكية عن اختبار صاروخ فرط صوتي بنجاح، وسبق هذه الأحاديث تصريحات قادمة من اليمن تقول إن هذه الأسلحة باتت بحوزة «أنصار الله».

بعكس الإعلان الأمريكي، نالت التصريحات الحوثية انتباه المحللين السياسيين، إذ حمل إعلان جماعة الحوثيين في اليمن عن تجربة إطلاق لصاروخ فرط صوتي جملة من المعاني السياسية والعسكرية، فهذه التكنولوجيا تعد الأكثر تطوراً في مجال الصناعات العسكرية، والأهم من ذلك أنها غير متوفرة في ترسانة الأسلحة الغربية حتى اللحظة، ما يجعل من وجودها في أيدي الميلشيا اليمنية - إن كانت التصريحات صحيحة فعلاً - حدثاً ذا تأثير استراتيجي كبير في المنطقة وخصوصاً أنها أتت سابقة للإعلان الأمريكي المشار إليه.

بدايةً ينبغي التذكير بأن روسيا كانت أول من طوّر هذه الأسلحة، وأصبحت الصواريخ فرط الصوتية جزءاً من عتاد الجيش الروسي الذي يملك صاروخ «تسيركون» متوسط المدى المخصص للتعامل مع السفن الحربية وحاملات الطائرات بسرعة تصل إلى 9000 كم في الساعة، بالإضافة لصاروخ «كينجال» الذي تصل سرعته إلى 12 ماخ «أي حوالي 12250 كم في الساعة» وتم استعماله فعلًا في الحرب الأوكرانية، إذ دمر الجيش الروسي باستخدامه أنظمة باتريوت الأمريكية المتطورة. وتملك موسكو صاروخ «أفانغارد» أيضاً بسرعة تصل إلى 30000 كم بالساعة وقادر على إصابة أهداف في أي نقطة على وجه الكرة الأرضية.

دول أخرى بإمكانيات مشابهة

بعد الإعلان الروسي عن تطوير هذا السلاح منذ ست سنوات، أعلنت بعدها مجموعة من دول الشرق امتلاكها لصواريخ بإمكانيات متقاربة وكانت الصين أبرزها، فيمتلك الجيش الصيني صواريخ «دي أف-27» و«دي أف-41» و«دي أف-21 دي». وأعلنت إيران عن صاروخ «فاتح» بسرعة تصل إلى 15 ضعف سرعة الصوت، ثم جاء إعلان كوريا الشمالية عن صاروخ «هواسونج 8» فرط الصوتي.

في الجهة المقابلة وبالرغم من تجارب أمريكية عدّة لا يزال إدخال هذا الصاروخ في الخدمة مسألة بعيدة، إذا تقول التقديرات إن واشنطن يمكن أن تنجح في ذلك في 2025 حتى بعد إعلانها مؤخراً عن تجربة لإطلاق نموذج أولي في المحيط الهادئ باسم «ARRW»، فالصاروخ وإن نجح في اختبار الإطلاق لن يكون متاحاً للقوات المسلحة قبل إنتاجه بشكل موسع، وتقول التقارير إن واشنطن تسعى لشراكة مع اليابان في هذا الخصوص ومن المتوقع أن تنتج شركة بوينغ هذه الصواريخ.

سياق الإعلان الحوثي

مع إعلان جماعة أنصار الله عن دخولها في المواجهة مع الكيان الصهيوني رداً على العدوان المدعوم أمريكياً تطور الصراع في المنطقة ليأخذ منحاً جديداً أعلنت بموجبه الولايات المتحدة الأمريكة عن إطلاق عمليات لاستهداف الحوثيين بالتعاون مع المملكة المتحدة بشكل أساسي، واستطاعت الجماعة اليمنية أن تتحول إلى رقم صعب في المنطقة وخصوصاً أنها تشرف على منطقة استراتيجية مكنتها من إعاقة شحنات النقل البحري المتجهة إلى الكيان الصهيوني وشملت لاحقاً الشحنات الأمريكية والبريطانية.
التطور الجديد جاء مفاجئاً إذ وسعت الجماعة مجال استهدافها لتتحول للإعلان عن استهداف الشحنات التي تعبر طريق رأس الرجاء الصالح بعد أن كانت عملياتها محصورة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر وبحر العرب.
في أواسط آذار الجاري ذكر مصدر عسكري مقرب من الحوثيين لوكالة نوفوستي الروسية، أن الجماعة نفذت تجربة لصاروخ فرط صوتي، ويعمل الصاروخ حسب المصدر ذاته على الوقود الصُّلْب، وتبلغ سرعته 8 ماخ إي نحو 10 آلاف كم في الساعة. ترافقت هذه الأنباء مع تصريحات لعبد الملك الحوثي، توعد فيها أن العالم سيشهد مستوى من الإنجازات الاستراتيجية ستكون كفيلة بوضع اليمن في مصافّ الدول المتقدمة.

هل يمكن أن تمتلك الجماعة هذا السلاح؟

هناك الكثير من الحوادث المشابهة في التاريخ، يعتبر تطوير السلاح النووي في دول منخفضة التطور التكنولوجي المثال الأبرز على ذلك كما جرى في الهند وباكستان، ومن المعروف اليوم أن نقل تلك التكنولوجيا في حينه كان مرتبطاً بقرار سياسي اتخذته الدول العظمى، إذ نقل المعسكر الاشتراكي هذه التكنولوجيا إلى الهند وساهم في تطوير برنامجها النووي، وهو تماماً ما فعله الغرب مع باكستان، لكن الجدير بالذكر أن الصواريخ فرط الصوتية تحتاج مجموعة كبيرة من الإمكانيات إلى جانب التكنولوجيا، فهي بحاجة إلى قدرات تصنيعية عالية ومعادن خاصة هذا بالإضافة إلى قدرات عسكرية تكنيكية متقدمة لإطلاق وتوجيه وتتبع الصاروخ وهي جميعاً غير متوفرة في اليمن ولا يمكن نقلها بهذه البساطة، ما يعني أن ظهور هذه الصواريخ في اليمن يمكن بحالة وحيدة هي دعم مقدم من إحدى الدول التي تمتلك السلاح.


استنتاجات سياسية أوّلية!

بعيداً عن محاولات إثبات امتلاك اليمن لهذا السلاح الخطير أو الطرف الذي يمكن أن يكون أمدَّ الحوثيين بهذه الصواريخ تظهر المسألة بوصفها إعلاناً سياسياً حتى اللحظة، يحمل مع ذلك أهمية كبيرة جداً، فالغرض الأبرز يرتبط بطبيعة وحجم الصراع الدائر حالياً في تلك المنطقة وامتداداته الدولية، فالإعلان يأخذ طابعاً تحذيرياً أن هناك أطرافاً أخرى في المنطقة أو العالم ترسم خطوطاً حمراء.
والجدير بالذكر أن القدرات العسكرية التقليدية التي يمتلكها الحوثيين قادرة على إرباك الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الذي تقوده في المنطقة، ما يوسّع الهدف السياسي من الإعلان المذكور ليتجاوز خطوط الاشتباك العسكري الحالي، فالصواريخ فرط الصوتية قادرة لا على استهداف السفن الموجودة في البحر فحسب بل يمكن أن تستخدم لتوجيه ضربات في العمق «الإسرائيلي» أو استهداف قواعد أمريكا في المنطقة حيث أثبتت ترسانتها العسكرية أنها عاجزة عن التصدي لهذه التكنولوجيا العسكرية.

وجود هذا النوع من الأسلحة لدى دول الشرق مثّل كسراً للتفوق العسكري الغربي وما يعنيه ذلك من «تقليم أظافر» الوحش الأمريكي وردعه، ومجرد التلويح بنقل هذه الصواريخ إلى جماعة الحوثيين يعني فيما يعنيه أن أحد مالكي هذا السلاح على الأقل يهدد بقلب الموازين العسكرية بغير مصلحة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وهو ما يمكن أن يتحول إلى رادع حقيقي بوجه المشروع الأمريكي القائم على توسيع رقعة الحريق في المنطقة.