الكمأة... لقمة ثمنها دماء السوريين!

الكمأة... لقمة ثمنها دماء السوريين!

الكمأة التي تشكل مصدر رزق للعديد من الأسر المفقرة، باتت مصدراً لحصد أرواح المئات منهم، فمع كل موسم لجمع فطر الكمأة تتجدد رحلة الشقاء والدم!

ففي حين كان الخروج لجمع الكمأة رحلة (رزق ومتعة) في الماضي، باتت الآن رحلة موت بعد أن فقد العديد من المفقرين حياتهم في أثناء رحلة البحث عن الرزق المحفوف بالمخاطر، وليلاقي لاحقاً من نجا منهم حيتان السوق المستغلين بانتظاره!
المعادلة مميتة من جميع جهاتها وجوانبها، فالفقر والجوع من جهة، وخطر الموت من الجهة الأخرى، وجشع التجار واستغلالهم في جهة ثالثة مضافة، أما الجهة الرابعة فهي من نصيب الاستهتار الحكومي وسياسات الإفقار المعمم!
ومع الأسف لا حلول أمام انسداد أفق تأمين متطلبات المعيشة إلا خوض المخاطر في موسم الكمأة من قبل العاملين على جمعها!
فبحسب العم عبد السلام من فلاحي الرقة المفقرين الناجين حتى الآن (لم نعد نكترث بكثرة المخاطر لأننا نريد إطعام أطفالنا... فالجوع كافر)!

فطر الرعد!

نبات الرعد، (الجما) أو (الفقع) من التسميات الشعبية لفطر الكمأة الذي ينبت بعلياً في الأراضي التي لم تتعرض لعمليات الحراثة والبذار والتسميد، وغيرها من العمليات الزراعية، على شكل درنات تشبه حبات البطاطا، وعلى عمق سنتيمترات من سطح الأرض، وهو يكثر في بادية الرقة والحسكة ودير الزور، كما أن كثرة البرق المصاحب للأمطار يعتبر مؤشراً على وفرة موسمه، ولعل تسمية نبات الرعد استمدت من هنا!
وتصنف الكمأة إلى أنواع عديدة حسب الحجم واللون، مثل (الزبيدي) و(الحرقة) و(الهبري) و(الأسود)، وعلى هذا الأساس من التصنيف تختلف أسعارها!
كما وتعتبر ثمرة الكمأة من الثمار الغنية بالفوسفور والصوديوم والبوتاسيوم ومضادات الأكسدة، ولها سوق رائجة في دول الخليج العربي والعراق ولبنان، إضافة للسوق المحلي.
وهناك موسمان لقطاف الكمأة حسب الظروف الجوية: شتوي (من تشرين الثاني حتى شباط)، وموسم قصير آخر خلال الربيع.
تُقطف الكمأة عموماً بين شهري شباط ونيسان، وتباع بأسعار مرتفعة في الأسواق يصل سعر الكيلوغرام منها إلى نصف مليون ليرة، ولعل هذا ما يفسّر إقبال بعض المواطنين على جمعها، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة والقاسية، رغم المخاطر في ذلك، فهي تشكل مصدر رزق للعديد من الأسر الريفية المعدمة!

مغامرة ومقامرة!

حصيلة ضحايا فطر الكمأة تجاوزت 63 حالة وفاة، وما يزيد عن 32 إصابة منذ بداية شباط، حسب ما نشره موقع (أثر برس) بتاريخ 17/3/2024.
في حين أكد مدير الصحة في محافظة الرقة، الدكتور غياث الحمود، لـلموقع نفسه بتاريخ 16/3/2024 وفاة 12 شخصاً، وإصابة 8 آخرين نتيجة انفجار لغم في منطقة (رجم العجوز) بريف الرقة الشرقي!
وبتاريخ 25/2/2024 توفي 17 شخصاً جنوب بلدة الرصافة، وقبلها بتاريخ 24/2/2024 توفي 5 أشخاص في منطقة (تل سلمى) بريف حماة، و4 أشخاص شرق منطقة (جب الجراح) بريف حمص!
أي إنه ومنذ بدء موسم جني الكمأة، فقد المئات حياتهم بحوادث وأسباب مختلفة، فيما تسبب موسم جنيها العام الفائت بمقتل وإصابة حوالي 300 شخص، بحسب ما وثقه قسم الرصد والتوثيق في (نورث برس) ونشره بتاريخ 12/3/2024.
ومع غياب مصادر الرصد والإحصاء الرسمية نستطيع الجزم بأن ضحايا فطر الكمأة الجياع تجاوز عددهم المئات، مدفوعين لحتفهم بسبب سياسات الإفقار ونهج التجويع الذي مارسته الحكومة وما زالت تمارسه على الغالبية المفقرة!

حيتان السوق يستغلون مخاطرة المفقرين!

الحاجة والفقر دفعا مئات السوريين ليلاقوا حتفهم في سبيل تأمين قوت أسرهم، أما الناجون منهم فوجدوا أنفسهم تحت رحمة التجار الذين يشترون النوعيات الجيدة من الكمأة بأبخس الأسعار من جامعيها، ليصدروها فيما بعد إلى العراق ولبنان ودول الخليج، جانين الآلاف من الدولارات كأرباح على حساب تعب الجامعين المفقرين، وعلى حساب أرواح المئات منهم كضحايا.
فالمفقر المضطر يضع حياته على كف عفريت كما يقال ليجني بعض الليرات الزهيدة، ثمناً لجهده وروحه وسلامته في سبيل إطعام أبنائه، وليقع فريسة للوحوش من تجار وناهبين وفاسدين.
وربما تجدر الإشارة إلى أن جل ما تقوم به بعض الجهات الرسمية هو إرسال بعض الرسائل التحذيرية من مخاطر جمع الكمأة من منطقة الألغام المشتبهة!
وكأن المفقر الذي يضطر للمخاطرة بحياته في البراري لجمع الكمأة لديه جوال، أو على معرفة بمناطق الألغام المشتبهة!
والأهم كأن هذا التحذير يعفي الجهات الرسمية من مسؤولياتها، ليس على مستوى المخاطر من المناطق المشتبهة دون تحذيرات فيها فقط، بل من مسببات الاضطرار للتعرض للمخاطر من أجل لقمة العيش!
فلولا سياسات الإفقار والتجويع لما أصبحت لقمة العيش مغمسة بالدم فعلاً!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1167
آخر تعديل على الإثنين, 08 نيسان/أبريل 2024 10:27