الليشمانيا... آلاف الإصابات سنوياً والسبب معروف ومهمل رسمياً!

الليشمانيا... آلاف الإصابات سنوياً والسبب معروف ومهمل رسمياً!

«تشوه وجهي، رحلة علاج طويلة، وربما أحتاج إلى عمليات تجميل لكي تختفي الندب، ماذا يكلفهم رش المبيدات؟!».

هي عبارة ألم ومعاناة جسدية ونفسية، مقترنة بتساؤلات مشروعة، نقلت عن لسان شابة بمقتبل العمر كانت في المركز الصحي بحماة لمعالجة إصابتها بلدغة ذبابة الرمل، المتسببة بالليشمانيا!
كذلك ربما تعجز العبارات أمام مشهد منقول لبكاء طفل يرفض الخروج من المركز دون قبعته الشمسية خشية التنمر، فقد لدغته ذبابة الرمل في جبينه!
فانعكاسات التقصير والإهمال الرسمي تستمر بالظهور مرةً تلو الأخرى، لتطال هذه المرة أيضاً صحة المواطنين وسلامتهم الجسدية والنفسية!
فتدني الوضع الخدمي وسوئه، بالإضافة إلى تعامي الجهات المعنية، يخلّف سنوياً آلاف الضحايا من مواطني حماة، وغيرها من المحافظات السورية، كمصابين بالليشمانيا!

الأرقام كبيرة!

نقل موقع «أثر برس» بتاريخ 20/4/2024 حديث لرئيس مركز مكافحة الليشمانيا في مديرية صحة حماة، الدكتور باسل الإبراهيم، صرح خلاله عن تسجيل 1503 إصابات جديدة خلال شهر آذار الماضي وحده، فيما بلغ مجمل الإصابات بالليشمانيا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام نحو 4500 إصابة!
لا شك أن الأرقام الرسمية المصرح عنها أعلاه عن عدد الإصابات بالليشمانيا منذ مطلع العام الحالي وحتى الآن تعتبر كبيرة، مع العلم أنها من مركز واحد متخصص بمكافحتها في محافظة حماة فقط، وهؤلاء من راجعوا هذا المركز، ولكم أن تتوقعوا العدد الكلي على مستوى بقية مراكز مكافحة الليشمانيا التابعة لوزارة الصحة في بقية المحافظات، وخاصة تلك التي تعتبر ذبابة الرمل مستوطنة فيها مثل حلب، مع عدم تغييب الأعداد الإضافية من المصابين التي لا تتوجه للمراكز الصحية التخصصية التابعة لوزارة الصحة وتلجأ إلى العيادات الخاصة، بالإضافة إلى الأعداد التي تلجأ إلى الوصفات الشعبية، والعاجزين عن تحمل تكلفة العلاج ومشاقه!
فعشرات الآلاف من الإصابات بالليشمانيا هم ضحايا سنويون لهذه الآفة، سواء تم تسجيلهم بشكل رسمي أو لم يتم ذلك!

الليشمانيا أو ما يعرف بحبة حلب!

تعد الليشمانيا أحد الأمراض الطفيلية التي يسببها طفيلي من الطفيليات الأولية، وهي 20 نوعاً، وتنتقل عن طريق لدغة أنثى «ذباب الرمل»، الذي يشمل 90 نوعاً أيضاً، وتظهر على شكل تقرحات جلدية، قد تسبب ندباً مدى الحياة!
وهناك ثلاثة أشكال لمرض الليشمانيا، أخطرها الليشمانيا الحشوي المميتة بنسبة 95%، وهناك الليشمانيا التي تصيب الأغشية المخاطية مسببةً تلفها، أما النوع الثالث الأكثر انتشاراً فهو الليشمانيا الجلدية!
وتعتبر أنثى ذبابة الرمل الناقل الوحيد للمرض، حيث تنقل الطفيلي المسبب للمرض من الحيوان المصاب أو الإنسان المصاب إلى آخر سليم عبر لدغه!
وقد عرف تاريخياً أن مدينة حلب هي موطن لهذه الآفة الممرضة، لذلك سميت بلدغة حلب، أو حبة حلب، حيث اقتصرت الإصابات، ولوقت طويل، بمحافظة حلب ومحيطها، ثم لوحظ الانتشار الواسع لذبابة الرمل والمصابين بلدغتها في محافظات ومناطق أخرى!
ففي عام 2004 تم تسجيل 16 إصابة في دمشق، لتنحسر بعدها وتعاود الظهور في المنطقة الوسطى، حيث سجلت محافظة حماة وحدها أعداداً كبيرة من الإصابات خلال الأعوام الماضية، لتستمر هذا العام أيضاً وفقاً للأعداد المسجلة رسمياً أعلاه، مما يدفع إلى التساؤل المشروع حول أسباب الانتشار؟

تقصير وإهمال متعمد أم ضعف بالإمكانيات؟!

سوء ظروف السكن وتراجع الخدمات، وخاصة مشكلات تردي شبكات الصرف الصحي، وصولاً إلى غيابها والمكشوف منها، إضافة إلى تراكم القمامة غير المرحلة... وغيرها الكثير، هي ما تشكل البيئة المناسبة لتكاثر جميع الحشرات واستيطانها، بما في ذلك طبعاً ذبابة الرمل، الناقل الوحيد للطفيلي الممرض بالليشمانيا، التي تتكاثر وتزيد من انتشارها بسبب قلة رش المبيدات، أو غياب عمليات الرش!
وهذا ما أكده رئيس مركز مكافحة الليشمانيا بحماة الدكتور باسل الإبراهيم بقوله: «يعود سبب الإصابات إلى الوضع الخدمي المتردي الناتج عن قلة النظافة في عدد من الأحياء والمناطق، وقيام البعض بتربية الحيوانات (الماشية والطيور) داخل أو قرب المنازل السكنية، وما تخلفه من روث وتخمرات وحشرات، إضافة إلى بعض شبكات الصرف الصحي غير المؤهلة للصرف، ما يعتبر بيئات حاضنة للمرض وذبابة الرمل المسببة له».
فإهمال الجهات المعنية، محافظات وبلديات وغيرها، وتقصيرها في أداء مهامها وواجباتها، وخاصة على المستوى الخدمي، يتسبب بآلاف الإصابات شهرياً، وعشرات الآلاف سنوياً!
فالتقصير وانعدام المسؤولية تجاوز حدود عمليات الصيانة الدورية المفترضة لشبكات الصرف الصحي إلى انعدام هذه الشبكات في بعض المناطق، وكذلك تجاوز عمليات التنظيف والشطف وصولاً إلى التراخي بعمليات ترحيل القمامة وزيادة المدة الفاصلة بين عمليتي ترحيل، مع تسجيل غياب الحاويات في الكثير من المناطق أيضاً، أما عمليات رش المبيدات فقد باتت ثانوية وشبه معدومة في الكثير من المناطق، اللهم باستثناء مناطق سكن الأثرياء والنافذين فقط!
ولعل ذلك دفع الدكتور باسل الإبراهيم إلى التشديد على أهمية التعاون قدر الإمكان بين كل الجهات المعنية لعدم ظهور إصابات جديدة أكتر، كما دعا الأهالي إلى اتباع أساليب وقائية في النظافة حول المنزل وداخله واستعمال المنفّرات الحشرية، وأهمية النوم تحت ناموسية مضبوطة وسليمة!
فهل تجدي محاولات المواطن اتباع طرق وأساليب وقائية، في ظل تملص الجهات المعنية وتقاعسها عن القيام بمهامها؟!
وما فائدة منفرات الحشرات المنزلية إذا كانت القمامة مكدسة كالجبال في الشوارع وعلى نواصي الحارات؟!
بل وما فائدة رش المبيدات، إن وجدت، مع شبكات صرف صحي متهالكة ومكشوفة؟!
ومن المسؤول عن عدم توفير الشروط الصحية للمواطنين، بل والضرب بها عرض الحائط، في معظم بؤر انتشار المرض؟!
وبكل اختصار يمكن القول، إن كل ما سبق لا تشفع له ذرائع ضعف الإمكانات وقلة الاعتمادات التي يتم الحديث عنها كتبرير للتقصير والإهمال في الكثير من الأحيان، مع تكرار هذه الذرائع لعدم تدارك الضعف وقلة الاعتمادات!
فصحة المواطنين وسلامتهم باتت على محك المبررات والذرائع الرسمية الممجوجة والمكررة، والتي يتم تكريسها خارج الأولويات الرسمية عاماً بعد آخر، كنتيجة حتمية لسياسات تخفيض الإنفاق العام!
فالمشكلة على هذا النحو من الإهمال الرسمي بصحة المواطنين وسلامتهم أكبر من الإصابة بآفة الليشمانيا بأعدادها الكبيرة المتزايدة سنوياً، ليضاف إليها أعداد الإصابات المتزايدة أيضاً بآفة التهاب الكبد الوبائي، وبحالات التسمم بمياه الشرب المتسربة إليها مياه الصرف الصحي، وبحالات الإصابة بالكوليرا... والقادم أسوأ لا شك!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1172
آخر تعديل على الإثنين, 06 أيار 2024 18:00