ميشيل بوشكين ميشيل بوشكين

الانتخابات الأميركية والاقتصاد العالمي

ستانفورد ــ مع اقتراب الانتخابات الأميركية، وتقدم الرئيس باراك أوباما بشكل طفيف على منافسه الجمهوري حاكم ولاية ماساتشوستس السابق مِت رومني، فإن استطلاعات الرأي لا تزال تشير إلى أن السباق من أجل السيطرة على منصب الرئاسة ومجلس الشيوخ الأميركي متقارب للغاية، ومن المرجح أن يظل مجلس النواب بين أيدي الجمهوريين. إن الفوارق بين المرشحين كبيرة ومؤثرة بشدة على السياسة الاقتصادية الأميركية والاقتصاد العالمي، ولو أن تفعيل برامجهما سوف يتوقف إلى حد كبير على تركيبة الكونجرس.

ترجمة: إبراهيم محمد علي


ومن الممكن تلخيص أهم الفوارق بين المرشحين على النحو التالي:

الإنفاق: لقد زاد أوباما الإنفاق بشكل ملموس. ومن المرجح أن يواصل العديد من برامجه المؤقتة (فكما لاحظ ميلتون فريدمان ذات مرة، «لا يوجد شيء أكثر دواماً من البرامج الحكومية المؤقتة»)؛ وأن يزيد الرهان على مسؤولية الحكومة عن اختيار الفائزين والخاسرين في مجال الطاقة الخضراء؛ وأن يوسع الإنفاق على التعليم والبنية الأساسية؛ وأن يخفض الإنفاق على الدفاع إلى حد كبير.

أما رومني فهو يفضل، على النقيض من هذا، الحد من الإنفاق الفيدرالي الإجمالي، الذي يشكل حالياً 24% من الناتج المحلي الإجمالي، إلى 20% والإبقاء على الإنفاق الدفاعي عند مستوى 4%. وهو يريد أن تتولى الأسواق الخاصة، وليس الحكومة، اختيار الشركات والتكنولوجيات الفائزة.

يعارض الديمقراطيون خفض الإنفاق غير الدفاعي، فيزعمون أن الخفض من شأنه أن يؤدي إلى انكماش الاقتصاد. وتصبح هذه الحجة هي الأقوى إذا كان خفض الإنفاق كبيراً ومفاجئاً في ظل اقتصاد ضعيف. أما إذا كان متدرجاً على مدى سنوات عديدة مع تعافي الاقتصاد، كما يقترح رومني، فإن التوفير الناتج من المرجح أن يكون توسعيا. على سبيل المثال، هبط الإنفاق الفيدرالي نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي بمقدار خمس نقاط مئوية أثناء الفترة من منتصف ثمانينيات إلى أواخر تسعينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة، وبفارق أكبر في العقود الأخيرة في كندا ــ أي عبر فترات من النمو الاقتصادي القوي.

الضرائب: يعتزم أوباما زيادة معدلات الضريبة الهامشية الأعلى على الأجور، والأرباح الرأسمالية، وأرباح الأسهم، والفوائد، والعقارات، وخاصة على الأفراد من ذوي الدخول الأعلى والشركات الصغيرة. ولكنه رغم هذا لم يقترح إصلاحاً شاملاً للضريبة على الدخول الشخصية أو الشركات.

وعلى النقيض من هذا، يريد رومني خفض معدل الضريبة على الشركات الأميركية (وهي الأعلى في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية) إلى 25% وتحصيل الضرائب على الشركات الأميركية المتعددة الجنسيات على أساس إقليمي وليس عالمياً من أجل زيادة قدرتها التنافسية الضريبية. وهو يريد أيضاً خفض معدلات الضريبة الشخصية بنسبة 20% والتعويض عن العائدات المفقودة عن طريق الحد من التخفيضات الضريبية والقروض الائتمانية، وبخاصة عند الشريحة العليا، وبالتالي تحقيق زيادة قدرها نحو 18,5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يزيد قليلاً على المتوسط التاريخي عند مستوى التشغيل الكامل للعمالة. وبالتالي فإن خطة رومني المالية تهدف إلى خفض العجز بالقدر الكافي لتقليص نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. وهو يفضل إضافة تعديل إلى الدستور يلزم الحكومة بموازنة منضبطة، ويأمل تحقيق توازن الميزانية على مدى ثماني سنوات.

وفي المقابل فإن أوباما يعتزم زيادة العجز ــ فزيادته للإنفاق أكبر كثيراً من زيادته للضرائب ــ وهو ما يعني ضمناً ارتفاعات ضريبية كبيرة في المستقبل. وهو يعتزم فضلاً عن ذلك السماح بنسب دين أعلى كثيراً مقارنة برومني، وذلك لأن المحرك الرئيسي للدين هو الإنفاق على برامج الاستحقاقات.

الاستحقاقات: التزم أوباما الصمت حيال إصلاح الرعاية الطبية والضمان الاجتماعي، الذي يعادل عجزه في الأمد البعيد حجم الدين الوطني عدة مرات. حتى أن نائب الرئيس جو بايدن قال إن إدارته لا تعتزم إدخال «أي تغيير» على الضمان الاجتماعي.

ويؤيد رومني زيادة سن التقاعد تدريجيا، والاستعانة بنموذج ممتاز لدعم الرعاية الطبية، وتحويل المعونة الطبية (التأمين الصحي على الفقراء) إلى الولايات عبر منح شاملة. وتنتقد حملة أوباما مقترحات رومني حول الرعاية الطبية، في حين تنتقد حملة رومني رفض أوباما للتفاوض أو حتى اقتراح حل.

وبالتالي فإن سياسة أوباما من شأنها أن تؤدي إلى عجز متزايد ونسب دين أعلى كثيراً من 100% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو المستوى الذي تشير العديد من الدراسات إلى أنه كفيل بخفض النمو الاقتصادي الأميركي بمقدار الثلث أو أكثر، بل وقد يؤدي إلى أزمة ديون سيادية. ويشير بعض المراقبين إلى أن خطة أوباما غير المعلنة تتلخص في زيادة المستحقات إلى مستويات يتم التعويض عنها في نهاية المطاف من خلال ضريبة القيمة المضافة على النمط الأوروبي.

التجارة: إن أوباما أول رئيس أميركي منذ فترة طويلة لم يلعب دوراً رائداً في تحرير التجارة العالمية. فلا تزال جولة الدوحة من محادثات التجارة العالمية متعثرة، كما عمل أوباما على تأخير اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية الثلاث التي كانت تنتظر الموافقة عندما تولى منصبه. أما رومني فإنه من أنصار التجارة الحرة، ولكنه قال إنه سيكون أكثر صرامة في التعامل مع الممارسات التجارية وسياسات العملة الصينية.

التنظيم: يريد أوباما توسيع تنظيم السيطرة والتحكم الفيدرالي (ولو أن المحاكم أوقفت تمديده لبعض الصلاحيات التنظيمية). ويتعهد رومني بنهج متوازن اقتصادياً ويعمل على إصلاح التنظيمات الرئيسية التي أقرها أوباما في مجال الرعاية الطبية، والبيئة، والخدمات المالية.

التعيينات: يعين كل رئيس أميركي الآلاف من المسؤولين، والعديد منهم يتمتعون بقدر كبير من السلطة. وقد أعلن رومني أنه لن يعيد تعيين بن برنانكي رئيساً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (المرشحون المحتملون: رجال الاقتصاد جلين هيوبارد، وجريج ماكيو، وجون تايلور، ومارتن فيلدشتاين). وهناك معينون رئاسيون آخرون يمارسون قدراً كبيراً من النفوذ على الشركات، أو الصناعات، أو الاقتصاد بالكامل. على سبيل المثال، حاول المسؤولون الذين عينهم أوباما لشغل مقاعد المجلس الوطني لعلاقات العمل (الغامض) منع شركة بوينج من التوسع في ولاية ساوث كارولينا، على الرغم من تشريع «الحق في العمل» الذي تتمتع به الولاية في مواجهة النقابات.

وهذه السياسات كفيلة بالتأثير على النمو الاقتصادي الأميركي، وعجز الموازنة، والمدخرات الوطنية، وبالتالي التجارة العالمية وتدفقات رأس المال. ومع ارتفاع مستويات العجز في ظل أوباما مقارنة بمستوياتها في ظل رومني، فإن أميركا سوف تكون في احتياج إلى المزيد من تدفقات رأس المال من أوروبا وأميركا اللاتينية وآسيا، في حين تعمل الضرائب والديون المرتفعة على إعاقة النمو في الولايات المتحدة وبالتالي تقويض صادرات هذه المناطق. وسوف يوجه أوباما أميركا نحو دولة الرفاهة الاجتماعية الأوروبية؛ في حين أن أجندة رومني مصممة لمنع هذا.

أياً كان الفائز فإن الهاوية المالية تلوح في الأفق بحلول نهاية عام 2012. وإذا لم يتم عكس التشريعات السابقة فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاعات ضريبية ضخمة ومفاجئة وتخفيضات للإنفاق، وهو ما يتوقع مكتب الميزانية في الكونجرس أن يتسبب على الأرجح في إحداث حالة من الركود في عام 2013. وفي حين أن دورة الكونجرس المنزوعة الصلاحيات بعد الانتخابات مباشرة سوف تجد نفسها في مواجهة الهاوية المالية، فإن الفوارق العميقة بين الجمهوريين والديمقراطيين فيما يتصل بالضرائب والإنفاق تظل واسعة ومن الصعب تضييقها.

وبينما تعاني الأوضاع المالية في أوروبا من حالة من عدم اليقين، ومع تباطؤ الاقتصاد في الصين، فإن تقلص أو ركود الاقتصاد الأميركي هو آخر ما يحتاج إليه الاقتصاد العالمي. ولكن الأمر يتطلب الزعامة القوية من الرئيس المنتخب لتجنب هذه النتيجة.