ماكرون والردع النووي.. ما الأجدى لأوروبا الآن؟!
أحمد علي أحمد علي

ماكرون والردع النووي.. ما الأجدى لأوروبا الآن؟!

منذ انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أصبحت فرنسا الدولة الوحيدة العضو في الاتحاد والتي تمتلك قدرات نووية. وحول هذه المسألة بالضبط، فجّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قنبلة جديدة في تصريحاته مؤخراً، إذ اعتبر الردع النووي «في قلب استراتيجية الدفاع الفرنسية» و«عنصراً أساسيّاً في الدفاع القارة الأوروبيّة» مقترحاً إدراج الأسلحة النووية في المناقشة الجارية حول السياسة الدفاعية الأوروبية المشتركة.

سيلٌ من الانتقادات

يرى ماكرون، أن على أوروبا إيجاد طريقة لتكريس إمكانات دفاعية ذاتية بعيداً عن أمريكا وحلف الناتو، وأن يكون لدى أوروبا استراتيجية دفاع أوروبي بموازاة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي تقوده واشنطن، في مواجهة روسيا. وفي خطاب له بشأن مستقبل أوروبا في جامعة السوربون، تحدّث ماكرون عن نشر دروع مضادة للصواريخ وأسلحة بعيدة المدى، ونووية، لحماية أوروبا، على اعتبار أن ما يهدّد أوروبا يُعرّض مصالح فرنسا للتهديد أيضاً.
عرّضت هذه التصريحات ماكرون لسيلٍ عارمٍ من الانتقادات، وصل بعضها حدّ اتهامه بالخيانة والتنازل عن السيادة الوطنية للبلاد، لأن اقتراحه بدا بالنسبة للبعض أنه استعداد لوضع الترسانة النووية الفرنسية- التي من المفترض أن تكون لحماية البلد وحده عند تعرضه لمخاطر أمنية- بأيدي أوروبا كلّها، بمعنى أنه بشكل أو بآخر يجعل هذه الترسانة متاحة «للاستخدام بمواجهة أي خطر يواجه أي دولة أوروبية».
ومثل ذلك ما نراه في حديث ووصف فرانسوا كزافييه بيلامي، القيادي بحزب الجمهوريين، الذي اعتبر أن تصريحات ماكرون «تمسّ عصب السيادة»، مضيفاً أنه «لا ينبغي لرئيس دولة فرنسي أن يقول هذا». كذلك، وفي السياق ذاته، انتقدت رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب «فرنسا الأبية» ماتيلد بانو حديث ماكرون، وقالت: «لن نشعل نزاعاً نووياً لصالح دول أخرى». غير أنه وفي إطار السخرية قال تييري مارياني، القيادي في حزب التجمع الوطني، عبر منصة «إكس»: إنه بعد الأسلحة النووية يمكن لماكرون أن يتنازل للاتحاد الأوروبي عن مقعد فرنسا الدائم في مجلس الأمن.

فكرة جيّدة ولكن!

فكرة ماكرون، بأن يكون لأوروبا قدراتها الدفاعية الخاصة بمعزل عن الولايات المتحدة الأمريكية والناتو، هي فكرة جيدة من حيث المبدأ، لكن من الضروري عند نقاش هذه الفكرة معرفة حجم القدرات النووية لأوروبا في عالم اليوم. لذا سنتوقف عند ذلك قليلاً ثم نكمل.
في البداية، من الضروري معرفة أن فرنسا وبريطانيا وحدهما من تمتلكان ترسانة نووية مستقلة في أوروبا، بينما تعتمد بقيّة دول القارة على الردع النووي الأمريكي من خلال عضوية الناتو. يُقدّر ما تمتلكه فرنسا من الرؤوس الحربية النووية بـ 290 رأساً نووياً، وما تمتلكه بريطانياً بـ 210 رؤوس نووية. أي بالمجموع تمتلك الدولتان ما يقارب 400 رأس نووي، وتتركّز الترسانتان الفرنسية والبريطانية على الصواريخ البالستية العابرة للقارات التي تطلق من الغواصات البحرية.
وإذا ما كان هدف ماكرون هو وجود قوة ردع أوروبية نووية بوجه روسيا، فمن الضروري جداً أيضاً أن نأخذ بعين الاعتبار المقدرات النووية الهائلة لروسيا. فروسيا اليوم هي أكبر مخزون للرؤوس الحربية النووية في العالم، إذ تمتلك ما يقارب 6000 رأسٍ نووي، ينشر الآن ما يقارب 800 منها على صواريخ بالستية أرضية، و600 على صواريخ بالستية تطلق من غواصات، ونحو 200 في قواعد قاذفات ثقيلة.

ما الأجدى لأوروبا؟

بإجراء مقارنة بسيطة ما بين الترسانتين النوويتين الأوروبية والروسية، يصبح واضحاً إلى أي مدى يمكن أن تشكل الترسانة الفرنسية وحدها أو الأوروبية ككل (فرنسا وبريطانيا) مظلة نووية رادعة بمواجهة روسيا. فالترسانة الأوروبية هزيلة جداً، ولا يمكن مقارنتها بما تملك روسيا على الإطلاق. واستناداً لهذا، من الأجدى بالنسبة لفرنسا ولأوروبا اليوم، الذهاب لتفاهم مع روسيا عوضاً عن التصعيد معها، وتعريض البلاد والشعوب لمخاطر كبرى.
من هنا، يتضح أن تصريحات ماكرون، هي إمّا تصريحات غير مسؤولة يُعرّض فيها الرئيس بلاده وشعبه لخطر مواجهة نووية ويحرض عليها، وإما لسوء تقدير أو عدم فهم سياسي، وإمّا محاولة من ماكرون لتبرير التدخل الأمريكي الكبير في الشأن الأوروبي ليكون هدفاً معاكساً للخطاب السياسي العام، ما يمهّد ويفتح المجال بصورة أكبر لتدخّل متزايد في المستقبل. وفي الحالتين هي تصريحات بعيدة كل البعد عمّا يجب أن يكون في الظرف العالمي الجديد ومتغيراته، وبعيدة عن مصالح أوروبا وشعوبها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1173
آخر تعديل على الإثنين, 06 أيار 2024 18:33