بينما يُصعّد الغربيون تُجيب موسكو: نستعرض مدرعاتكم ودباباتكم في ساحاتنا!

بينما يُصعّد الغربيون تُجيب موسكو: نستعرض مدرعاتكم ودباباتكم في ساحاتنا!

ترفع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين من تصعيدهم ضد روسيا، سياسياً وأمنياً ومالياً، وخاصة فيما يتعلق بالملف الأوكراني، وتُجدد أوهام شن هجوم عسكري أوكراني مضاد جديد، وذلك بالتزامن مع اقتراب موعد عيد النصر على الفاشية، وإنسداد الأفق أمام المشروع الغربي الذي باتت ساعة نهايته تقترب.

تصعيد واستفزازات غربية

بعد موافقة الكونغرس الأمريكي على تمرير حزمة المساعدات المالية والعسكرية الجديدة لأوكرانيا، انتعشت مختلف البلدان الأوروبية وزادت من حدّة لهجتها تجاه موسكو، وكثرت الاستفزازات السياسية والأمنية لها، بضوء أخضر من واشنطن، لتأمل الأخيرة من ذلك إطالة أمد الصراع في أوكرانيا قدر الإمكان لتأجيل إعلان الهزيمة من جهة، ولابتزاز الأوروبيين من جهة أخرى، واستخداماً للملف الأوكراني والفلسطيني في الصراع الداخلي، أو لمواجهة التحركات الشعبية في الداخل، وفق نمطية العدو الخارجي أولاً، وبالتالي يكون ذريعةً للقمع.
ترافقت حزمة المساعدات الأمريكية الأخيرة مع مواقف استفزازية وتصعيدية خطيرة، حيث عبّرت مختلف الدول الغربية، ومنها: بريطانيا، عن إمكانية استخدام كييف للأسلحة الجديدة، بما فيها صواريخ ATACMS لاستهداف العمق الروسي، أو لضرب شبه جزيرة القرم والجسر الواصل مع روسيا. كما مضى الأمريكيون بخطوات جديدة تجاه استخدام الأموال الروسية المجمدة، أو السطو على أرباحها، لتمويل أوكرانيا.
أكثر من ذلك، ومع تعرقل تمويل كييف في الاتحاد الأوروبي بسبب الموقف والفيتو الهنغاري بالدرجة الأولى، تتوالى الأحاديث عن سعي وبحث مجموعة السبع الكبار تخصيصها 50 مليار دولار لأوكرانيا كذلك.
كما عادت بولندا لتبرز على الساحة مجدداً، فمن جهة، قامت بنشر قوات لها قرب الحدود الروسية في مدينة فارميان ماسوريا، وذلك في إطار إجراء مناورات عسكرية مشتركة يجريها حلف شمال الأطلسي «الناتو» بعنوان «المدافع الصامد 2024» بين 4 و6 من الشهر الجاري، وتشارك بهذه المناورات قرابة 50 سفينة و80 طائرة وأكثر من ألف آلية عسكرية من بينها 133 دبابة، ونحو 90 ألف جندي، وبالإضافة لبولندا، تُقام المناورات في دول البلطيق وألمانيا.

دخول دول بشكل أوسع على خط المواجهة

من الملاحظ دخول العديد من الدول بشكل أكبر على خط الصراع بشكل غير مباشر، ومباشر أحياناً، سواء بريطانيا أو المانيا أو فرنسا، والدول الاسكندنافية ودول البلطيق وبولندا، مما يعني توسيع الجبهة ومزيداً من التصعيد السياسي والأمني، والاستفزاز عموماً، ضد روسيا، ويعمّق من غرق وتورط أوروبا في الصراع الجاري خدمة لمصالح الولايات المتحدة، ويحمل هذا الأمر فكرتين متناقضتين بآنٍ واحد، الأولى: إبعاد موضوعة المفاوضات حول الملف الأوكراني تماماً في المرحلة الراهنة، والثانية: أنه وإلى حين بدء هذه المفاوضات تسعى الولايات المتحدة عبر هذا التصعيد إلى رفع وزنها التفاوضي قدر الإمكان، إن استطاعت ذلك.

ردود روسية أوّلية

بطبيعة الحال، لا تمر هذه الاستفزازات دون ردود روسية ومواقف تعلنها موسكو، فمقابل قرار استخدام أرباح الأموال الروسية المجمدة لتمويل أوكرانيا، أعلن القضاء الروسي عن تجميد أصول وأموال بنكي «جي بي مورغان» الأمريكي و«كوميرز بنك» الألماني، وتبلغ قيمة أموال البنكين المجمدة 12.4 مليون يورو، وكان قد سبق ذلك تجميد القضاء الروسي لحسابات في بنك «جي بي مورغان» بروسيا بقيمة 440 مليون دولار.
ورداً على حديث وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، حول حق كييف باستخدام أسلحتها لضرب روسيا، قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف: إن هذا الموقف يعتبر تصعيداً مباشراً، وقال: «نرى هذا التصعيد اللفظي من جانب شخصيات رسمية. ونرى ذلك على مستوى رؤساء الدول عندما يتعلق الأمر بفرنسا، وعلى مستوى أكثر خبرة عندما يتعلق الأمر ببريطانيا. هذا تصعيد مباشر للتوتر حول الصراع الأوكراني، والذي يمكن أن يشكل خطراً على الأمن الأوروبي، والهيكل الأمني ​​الأوروبي برمته» مما يحمل تهديداً برد روسيا على هذه التطورات.
وبدورها حذرت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا كلاً من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي من أن أي اعتداء على جسر القرم محكوم بالفشل، وسينتج عنه «رد ساحق» من روسيا، واعتبرت «من الصعب تصديق الهجوم على جسر القرم، ولكن الاستعدادات تجري الآن بشكل علني بجرأة ومفاخرة، وبدعم مطلق ومباشر وبلا حياء من التكتل الغربي».
كما حذرت زاخاروفا من أن «أي محاولات لتقييد حقوق الملاحة للسفن الروسية ستعتبر خطوة غير ودية أخرى تعقبها إجراءات انتقامية قاسية» بإشارة منها إلى حركة الملاحة في مضيق البلطيق.

روسيا تُعلن نصرها، وتسخر من الغربيين بطريقتها

أقدمت موسكو أواخر شهر نيسان الماضي على عرض مجموعة من الدبابات والمدرعات الغربية، منها بريطانية وأمريكية- والتي تم الاستيلاء عليها من قبل الجيش الروسي بأوكرانيا- في الساحة الحمراء بموسكو، وذلك كجزء من معرض عسكري استمر شهراً. من بين هذه الآليات الغربية المعروضة كانت ناقلة جنود مدرعة بريطانية من طراز «ساكسونية»، ودبابة «برادلي» الأمريكية، ودبابة «CV90» السويدية، وآلية مدرعة فرنسية من طراز «AMX-10RC» وغيرها، ورفعت فوق بعض هذه المدرعات لافتات حمراء كتب عليها «انتصارنا لا مفر منه».
وليأتي هذا المعرض بالتزامن مع اقتراب الذكرى الـ 79 لعيد النصر الروسي على النازية بالحرب العالمية الثانية في التاسع من أيار الجاري، والذي يقام خلاله سنوياً عرض عسكري في عموم المدن الروسية، وفي الساحة الحمراء بالعاصمة موسكو خاصةً.
استعراض موسكو للآليات الثقيلة الغربية كـ «غنائم» حرب يحمل ضمناً رسالة بإنجاز الانتصار الذي «لا مفر منه» ويفرّغ الأوهام الأوكرانية من أي أمل في التقدم خلال المرحلة المقبلة، بعد تسلمها المساعدات المالية والعسكرية، وحديثها الجديد حول هجوم عسكري مضاد ثانٍ، بينما لم تلتئم جروحها من فشل الهجوم الأول بعد، والذي لم يكن يحمل مساعدات مالية وعسكرية أكبر من الحالية فحسب، بل كان قد سبقته سنوات من التحضير والتجهيز التي سبقت بدء العملية العسكرية الروسية أساساً، فكيف الآن؟
فقد الغربيون من رصيدهم العسكري، والاقتصادي، والمالي، الكثير، وجلّ ما تفعله واشنطن الآن شراء المزيد من الوقت، ومحاولات تفجير المزيد من التوترات قدر الإمكان، إلا أن رصيد الوقت نفسه شارف على الانتهاء، وبدأت التوترات الاجتماعية والأمنية تتزايد وتتصاعد داخل الدول الغربية نفسها، بمدنها وساحاتها وجامعاتها.. وإذا ما كان الملف الأوكراني هو الأكبر على الساحة الدولية، فإن انتهاءه يعني بدء انتهاء مختلف الملفات الدولية المشتعلة الأخرى، والتي يحرّض عليها الأمريكيون، على التوازي كذلك، سواء الملف الفلسطيني، أو السوري، أو اليمني، وغيرها وصولاً إلى تايوان في الشرق.

تأتي ذكرى عيد النصر على النازية الآن خلال حرب أخرى تخوضها موسكو على النازيين الجدد في أوكرانيا والغرب عموماً، وحرب أخرى يخوضها الفلسطينيون ضد الاحتلال الصهيوني، وحرب أخرى تخوضها شعوب الأرض وتتسع رقعتها وحدتها بوجه نظامٍ عالمي آن أوان طيّ صفحته من التاريخ، والمضي قدماً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1173
آخر تعديل على الإثنين, 06 أيار 2024 18:34