حول منشأ الهجوم الصهيوني على الأمم المتحدة

حول منشأ الهجوم الصهيوني على الأمم المتحدة

شهد الأسبوع الماضي تطورات ملحوظة حول العدوان الصهيوني المستمر على قطاع غزّة وانعكاساته على المنطقة والعالم، وكانت الأمم المتحدة مسرحاً لتطورين مهمين في هذا الخصوص، الأول كان الفيتو الروسي-الصيني الذي أعاق القرار الأمريكي، والثاني كان زيارة الأمين العام للأمم المتحدة لمصر وردود الأفعال الصهيونية التي تلت هذه الزيارة.

رفعت موسكو وبكين يوم الجمعة 22 آذار فيتو مزدوجاً بوجه القرار الأمريكي بخصوص الأوضاع في غزّة، الذي يدعو إلى وقف النار مدة 6 أسابيع تقريباً ويترافق مع «جهود دبلوماسية دولية لتأمين هدنة مرتبطة بإطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين».

أسباب رفض القرار

حسب التصريحات الرسمية للمندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا، فإن سبب رفض موسكو لهذا القرار يرجع إلى كونه «محاولة لتمكين [إسرائيل] من الإفلات من العقاب» بالإضافة إلى أنّه «سيغلق النقاش بشأن وضع غزة وسيطلق يد [إسرائيل] هناك» حسب تعبير نيبينزيا، الذي أكّد أيضاً أن القرار الأمريكي يتضمن «منح الضوء الأخضر [لإسرائيل] لتنفيذ عملية عسكرية في رفح». وبدوره، عدّ المندوب الصيني تشانغ جون أن مشروع القرار «غامض» ويتهرب من القضية الأكثر مركزية وهي وقف إطلاق النار.
بعد أن أعاقت الولايات المتحدة كل المحاولات السابقة لإصدار قرار يهدف إلى وقف إطلاق النار في غزّة حاولت هذه المرّة تحقيق غرضين، الأول هو الظهور كصاحبة مبادرة للتهدئة والانتقال من الدور السلبي في مجلس الأمن إلى طرح مبادرات خلّبية، أمّا الغرض الثاني، فهو محاولة إصدار قرار يثبّت ما عجزت عنه واشنطن في المفاوضات مع حماس في الأسابيع الماضية، إذ تصر المقاومة الفلسطينية على الوصول إلى إحراز أفضل نتيجة في المفاوضات، وإنهاء محاولات ابتزاز الشعب الفلسطيني لتقديم تنازلات في مقابل وقف إطلاق النار!

تصريحات غوتيريش

زار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في يوم السبت 22 آذار الجاري منطقة العريش المصرية، ومن هناك أعلن سلسلة من التصريحات حول المآسي التي تحمّلها الفلسطينيون في الأراضي المحتلة، ودعا إلى وقف فوري لإطلاق النار. الحدث، وبالرغم من أنه يبدو للوهلة الأولى اعتيادياً، إلا أنّه يشير مجدداً إلى طبيعة التحولات داخل المؤسسة الأممية، التي بدأت تتشكل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
قال غوتيريش بالقرب من معبر رفح: «إنني أحمل أصوات الغالبية العظمى من العالم الذين رأوا ما يكفي»، وأشار إلى أنَّ المساعدات الإنسانية ما زالت عالقة حتى اللحظة. وأكد دعم الأمم المتحدة لسكان القطاع المحاصر ووجه كلماته للفلسطينيين قائلاً «لستم وحدكم».
الكلمات هذه لم تطعم جائعاً في القطاع المحاصر ولكنّها - مع ذلك - استفزّت الكيان بشدة، إذ خرج وزير خارجيته، يسرائيل كاتس، واصفاً الأمم المتحدة تحت قيادة أمينها العام بأنّها «معادية للسامية [ولإسرائيل] وتشجع الإرهاب»!

الدافع الصهيوني للهجوم على الأمم المتحدة

الهجوم الصهيوني على الأمم المتحدة ليس حدثاً جديداً، بل تكررت تصريحات مشابهة في الآونة الأخيرة، وهو ما ينبغي الوقوف عنده بغية فهمه، فالمؤسسة الدولية كان من المفترض أن تمنع انجرار العالم إلى صراعات كبرى جديدة، ولذلك اتفق المنتصرون في الحرب العالمية الثانية على إنشاء آلية للتوفيق بين مصالحهم بشكل دبلوماسي لدرء اندلاع حرب شاملة مرة أخرى، ولذلك تمتعت القوى العظمى الأساسية بحق النقض «الفيتو» الذي يُسمح لها باستخدامه في وجه أي قرار يعارض مصالحها.
الدور الذي كان من المفترض أن تؤديه الأمم المتحدة شهد تحولاً كبيراً منذ تراجع منظومة الدول الاشتراكية وصولاً إلا تفكيكها وانهيار الاتحاد السوفيتي، وأصبحت المؤسسة الأممية تظهر مجدداً توازن القوى على الأرض، لكن الفارق هذه المرّة أن الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية أصبحت صاحبة الوزن الأكبر، وأضحت الأمم المتحدة منذ ذلك الحين أداة بيد تلك الدول، فإما أن يفرض الغرب ما يريد، أو أن يعرقل تنفيذ أي قرار تتخذه هياكل المؤسسة الدولية، وهو ما جعل دورها شكلياً بنظر كثير من شعوب العالم التي شهدت عجز الأمم المتحدة عن حل المشاكل المتراكمة على مدى عقود.
مع صعود دول الجنوب تبيّن أنها عازمة على إعادة إصلاح الأمم المتحدة، ودفعها إلى أداء الدور المناط بها على الساحة الدولية، وهو ما يعني ضمناً رفع القرارات عن الرفوف ووضعها مجدداً على الطاولة، ومن هنا استشعر الكيان خطراً محدقاً، لا من تصريحات الأمين العام وسلوك المنظمة في الآونة الأخيرة فحسب، بل ما أثار مخاوفه فعلاً كانت الأسباب العميقة وراء هذه التغيرات التي قد تبدو طفيفة بالنسبة للمراقب العادي. الفيتو الروسي الصيني يظهر مجدداً حضوراً معاكساً للإرادة الأمريكية وكذلك الأمر بالنسبة لتصريحات غوتيريش التي ينظر إليها في هذا السياق بوصفها غير كافية لكنها مؤشر سياسي مهم.

الضغط الدولي الشديد يدفع الأمم المتحدة إلى الإعلان عن مواقف، وهو ما كانت الولايات المتحدة قادرة على تأريضه في وقتٍ سابق، أمّا الآن فلم تعد واشنطن صاحبة الكلمة الفصل في العالم ويتمظهر ذلك داخل أروقة الأمم المتحدة وغيرها من الميادين، لكن المثير للانتباه أن الولايات المتحدة لا تنخرط حتى اللحظة في هجوم معلن على الأمم المتحدة، لكن بالنظر إلى التصريحات الصهيونية في هذا السياق لا يمكننا القول إن المواقف هذه بعيدة عن الموقف العميق في واشنطن. فالكيان الصهيوني يؤدي الأدوار الأكثر قذارة للولايات المتحدة ولا يمكن استبعاد أن يتطاول الكيان الصهيوني على المؤسسة صاحبة الشرعية الدولية، وهو في جوهره تطاول أمريكي عليها، فبالنسبة للولايات المتحدة يجب إعاقة أي دور جديد للأمم المتحدة لأنه يظهر التحولات العالمية الكبرى، تلك التي يعمل أصحاب القرار الأمريكي على إعاقتها بوسائل شتّى.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1167
آخر تعديل على الإثنين, 08 نيسان/أبريل 2024 10:33